﴿أَمۡ جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاۤءَ خَلَقُواْ كَخَلۡقِهِۦ فَتَشَـٰبَهَ ٱلۡخَلۡقُ عَلَیۡهِمۡۚ قُلِ ٱللَّهُ خَـٰلِقُ كُلِّ شَیۡءࣲ وَهُوَ ٱلۡوَ ٰحِدُ ٱلۡقَهَّـٰرُ﴾ ينطلق القرآن من حقيقةٍ لا مِراء فيها؛ أن كلَّ الشركاء المزعومين ليس لهم شرك في هذا الخلق، ومن ثَمَّ فلا ينبغي أن يكون لهم نصيب من الربوبيَّة أو الألوهيَّة، فالله هو الواحد القهار المستحق للعبادة وحده بحكم أنه الخالق وحده، فمن يخلق هو الذي يملك، ومن يملك هو الذي يتصرَّف في ملكه كيف يشاء سبحانه
﴿أَلَا لَهُ ٱلۡخَلۡقُ وَٱلۡأَمۡرُۗ﴾ [الأعراف: 54].
﴿ٱلۡقَهَّـٰرُ﴾ الغالب على كل شيء.
﴿فَسَالَتۡ أَوۡدِیَةُۢ بِقَدَرِهَا﴾ فسالَ الماءُ في هذه الأودية، كلُّ وادٍ بحسب طوله وعرضه وعمقه وما قدَّره الله فيه من السَّيل.
﴿زَبَدࣰا رَّابِیࣰاۖ﴾ رغوة الماء الطافية على ظهر السيل.
﴿وَمِمَّا یُوقِدُونَ عَلَیۡهِ فِی ٱلنَّارِ ٱبۡتِغَاۤءَ حِلۡیَةٍ أَوۡ مَتَـٰعࣲ زَبَدࣱ مِّثۡلُهُۥۚ﴾ أي: كما أن هنالك فرقًا بين الماء المتدفق في الأودية وبين الزبَد الطافي عليه، هنالك أيضًا فارق بين جوهر الحلية والنقود السليمة المتخذة من الذهب والفضة وبين ما تَنفِيه النارُ من صدَأٍ وشوائب ونحو ذلك.
﴿فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَیَذۡهَبُ جُفَاۤءࣰۖ﴾ رغوة السَّيل، وخبث المعادن.
﴿وَأَمَّا مَا یَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَیَمۡكُثُ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ﴾ الماء الصافي والمعادن النفيسة.
﴿كَذَ ٰلِكَ یَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ﴾ فالصورة المركبة التي عرضها القرآن عن الماء وما يحمله من زبَد، والمعادن وما تحمله من شوائب، إنما المقصود بها التقريب لحقيقةٍ أكبر وأعمق، ألا وهي الصراع المديد والطويل بين الحقِّ والباطل، فشبَّه الحقَّ بالماء والمعادن النفيسَة النافعة للناس، وشبَّه الباطل بالزبَد والشوائب التي تطفو وتطغى، ثم تذهب كأن لم تكن.
﴿وَٱلَّذِینَ یَصِلُونَ مَاۤ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦۤ أَن یُوصَلَ﴾ عام في كلِّ صِلةٍ مطلوبة، ومنها صلة الرحِم.
﴿وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ سِرࣰّا وَعَلَانِیَةࣰ﴾ بحسب مُقتضى الحال، وقد تكون العلانية أفضل من السرِّ في بعض الحالات إذا سلِمَت النوايا؛ إذ بعض المشاريع تحتاج إلى من يُبادِر ويكون المَثَل والقدوة.
﴿وَیَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّیِّئَةَ﴾ يدفعون الإساءة بالإحسان؛ لحلمهم ولطف أخلاقهم.
﴿عُقۡبَى ٱلدَّارِ﴾ مفسَّرة بما بعدها
﴿جَنَّـٰتُ عَدۡنࣲ﴾ والعُقبى: العاقبة التي ليس بعدها شيء، وعدن: إقامة ومستقر.
﴿یَدۡخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنۡ ءَابَاۤىِٕهِمۡ وَأَزۡوَ ٰجِهِمۡ وَذُرِّیَّـٰتِهِمۡۖ﴾ يعرف المرءُ أبَوَيه أولًا فهما أصله، ثم يعرف زوجَه وهي شريكة حياته، ثم يعرف ذريَّتَه وهم فروعه، ومن تمام نعمة الله عليه أن يجمع له هؤلاء جميعًا معه في الجنة، اللهم فلا تحرِم مؤمنًا من ذلك.
﴿سَلَـٰمٌ عَلَیۡكُم بِمَا صَبَرۡتُمۡۚ﴾ إعلاء من شأن الصبر؛ الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على نكَدِ الحياة ومشاقِّ الدعوة.
﴿وَفَرِحُواْ بِٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا﴾ فرحًا يُنسِيهم الآخرة ويبعدهم عنها، أما المؤمن فهو يفرَحُ بنعم الدنيا، ويشكر الله عليها، ويستعملها في طاعته.
﴿لَوۡلَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡهِ ءَایَةࣱ مِّن رَّبِّهِۦۚ﴾ إنما يعنون الخوارق الحسِّيَّة، وإلا فالقرآن يكفيهم لو صَدَقوا مع أنفسهم.
﴿طُوبَىٰ لَهُمۡ﴾ طيب العيش.
﴿وَإِلَیۡهِ مَتَابِ﴾ توبَتي وإنابَتي.
﴿وَلَوۡ أَنَّ قُرۡءَانࣰا سُیِّرَتۡ بِهِ ٱلۡجِبَالُ﴾ لو كان هناك كتاب يحوِّل الجبال من مكانها، إشارةً إلى لَجاجة قريش وطلبهم من الرسول
ﷺ أن يُزيحَ عنهم جبالَ مكة.
﴿أَوۡ قُطِّعَتۡ بِهِ ٱلۡأَرۡضُ﴾ أي: شُقَّت فيها الأنهار، وهو مطلبٌ ثانٍ لهم.
﴿أَوۡ كُلِّمَ بِهِ ٱلۡمَوۡتَىٰۗ﴾ أي: أُحيِيَ به الموتى، وهذا مطلَبُهم الثالث، وجواب (لو) مفهوم من السياق، أي: لكان هذا القرآن، بمعنى: أن الرسول حامل رسالة، ومهمة الرسالة الهداية وليس إزاحة الجبال، وشقَّ الأنهار، وإحياء الموتى، ولو كانت رسالة تفعل مثل هذا لكان القرآن؛ لأنه أفضل الرسالات وأشملها وأكملها.
﴿أَفَلَمۡ یَاْیۡـَٔسِ﴾ أي: أفلم يتيقَّنُوا ويقطعوا شكَّهم.
﴿فَأَمۡلَیۡتُ لِلَّذِینَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذۡتُهُمۡۖ﴾ سنَّةُ الله أن يُمهِلَ أهلَ الباطل ويمدّهم بما يشاؤون من قوةٍ ومتاعٍ، ثم يأخذهم في الوقت الذي يُقدِّره سبحانه.