فلما بيَّن البيان المبين في هذا القرآن؛ قال في مدحه: {هذا بلاغٌ للناس}؛ أي: يتبلَّغون به ويتزوَّدون إلى الوصول إلى أعلى المقامات وأفضل الكرامات؛ لما اشتمل عليه من الأصول والفروع وجميع العلوم التي يحتاجها العباد، {ولِيُنْذَروا به}: لما فيه من الترهيب من أعمال الشرِّ وما أعدَّ الله لأهلها من العقاب، {ولِيَعْلموا أنَّما هو إلهٌ واحدٌ}: حيث صرف فيه من الأدلَّة والبراهين على ألوهيَّته ووحدانيَّته ما صار ذلك حق اليقين، {ولِيَذَّكَّرَ أولو الألباب}؛ أي: العقول الكاملة ما ينفعهم فيفعلونه وما يضرُّهم فيتركونه، وبذلك صاروا أولي الألباب والبصائر؛ إذ بالقرآن ازدادت معارفهم وآراؤهم، وتنوَّرت أفكارهم لَمَّا أخذوه غضًّا طريًّا؛ فإنَّه لا يدعو إلاَّ إلى أعلى الأخلاق والأعمال وأفضلها، ولا يستدلُّ على ذلك إلا بأقوى الأدلة وأبينها، وهذه القاعدة إذا تدرَّب بها العبد الذكيُّ؛ لم يزل في صعود ورقيٍّ على الدوام في كلِّ خصلة حميدة. والحمد لله رب العالمين.