سورة الحجر تفسير مجالس النور الآية 74

فَجَعَلۡنَا عَـٰلِیَهَا سَافِلَهَا وَأَمۡطَرۡنَا عَلَیۡهِمۡ حِجَارَةࣰ مِّن سِجِّیلٍ ﴿٧٤﴾

تفسير مجالس النور سورة الحجر

المجلس التاسع بعد المائة: عاقبة الصراع


من الآية (51- 84)


بعد أن عرض القرآن قصة الخلق الأولى، والصراع المُبكِّر بين الإنسان والشيطان، بدأ القرآن بعرض الانقسام البشري وفق هذا الصراع ومن خلال النموذجَين الآتيَين:
النموذج الأول: الذين كانوا مع الله بيَقِين الإيمان وحسن التعبُّد واللجوء إليه سبحانه، فكان الله معهم كما وعَدَهم، ومن صفوة هؤلاء: إبراهيم عليه السلام الذي عجَّل الله له البشارة في الدنيا ﴿قَالُواْ بَشَّرۡنَـٰكَ بِٱلۡحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡقَـٰنِطِینَ ﴿٥٥﴾ قَالَ وَمَن یَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦۤ إِلَّا ٱلضَّاۤلُّونَ﴾، ومنهم: لوط عليه السلام ﴿إِلَّاۤ ءَالَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمۡ أَجۡمَعِینَ﴾، ثم صالح عليه السلام الذي كذَّبَه أصحاب الحجر ﴿وَلَقَدۡ كَذَّبَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡحِجۡرِ ٱلۡمُرۡسَلِینَ﴾ فهؤلاء جميعًا حلقات مباركة من سلسلة النور في تاريخ هذه الإنسانية، أولئك الذين رفضوا طريق الشيطان، وقاوموه وحذَّرُوا منه.
النموذج الثاني: الذين اختارُوا طريق الشيطان، واتَّبَعوه في خطواته وانضَوَوا تحت سلطانه، ومن هؤلاء: قوم لوطٍ، وقوم شعيبٍ، وقوم صالحٍ:
قوم لوطٍ الذين كذَّبُوه واتبعوا أمر الشيطان؛ فملأهم بكل مُنحرفٍ من الفكر وشاذٍّ من السلوك ﴿لَعَمۡرُكَ إِنَّهُمۡ لَفِی سَكۡرَتِهِمۡ یَعۡمَهُونَ ﴿٧٢﴾ فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّیۡحَةُ مُشۡرِقِینَ ﴿٧٣﴾ فَجَعَلۡنَا عَـٰلِیَهَا سَافِلَهَا وَأَمۡطَرۡنَا عَلَیۡهِمۡ حِجَارَةࣰ مِّن سِجِّیلٍ﴾ لم يستثن الله من هؤلاء حتى امرأة لوط ﴿إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ قَدَّرۡنَاۤ إِنَّهَا لَمِنَ ٱلۡغَـٰبِرِینَ﴾ في تأكيدٍ مطلق على العدل الإلهي الذي لا يُحابي قريبًا ولا نسيبًا.
وقوم شعيب هم أصحاب الأيكة ﴿وَإِن كَانَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡأَیۡكَةِ لَظَـٰلِمِینَ ﴿٧٨﴾.
وقوم صالح هم أصحاب الحِجر الذين جاءت هذه السورة على اسمهم ﴿وَلَقَدۡ كَذَّبَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡحِجۡرِ ٱلۡمُرۡسَلِینَ﴾. ﴿فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّیۡحَةُ مُصۡبِحِینَ﴾.
تجدر الإشارة هنا إلى توافق طريقة العذاب ووقته بين أصحاب لوط وأصحاب الحِجر، فكلاهما هلك بالصَّيحَة، وفي وقت الصبح، كما هلك قوم شعيب بالصَّيحَة أيضًا: ﴿وَلَمَّا جَاۤءَ أَمۡرُنَا نَجَّیۡنَا شُعَیۡبࣰا﴾ [هود: 94].


﴿قَالَ إِنَّا مِنكُمۡ وَجِلُونَ﴾ لأنه قدَّم لهم الطعام فلم تصِل إليه أيديهم، ولم يكن يدري أنهم ملائكة، ونحوه قول لوطٍ لهم: ﴿إِنَّكُمۡ قَوۡمࣱ مُّنكَرُونَ﴾ أي: لا يعرفهم، وفيه أن الأنبياء لا يعلمون الغيب إلا بتعليمِ الله لهم.
﴿بِقِطۡعࣲ مِّنَ ٱلَّیۡلِ﴾ بجانبٍ من الليل، وهو وقت خروج لوطٍ ومن معه من قريتهم قبل نزول العذاب.
﴿أَنَّ دَابِرَ هَـٰۤـؤُلَاۤءِ مَقۡطُوعࣱ مُّصۡبِحِینَ﴾ أن نهايتهم محسومة عند الصباح.
﴿قَالَ هَـٰۤـؤُلَاۤءِ بَنَاتِیۤ إِن كُنتُمۡ فَـٰعِلِینَ﴾ يعرِض عليهم بناته للزواج، وليس في العرض تنازُلٌ عن شرائط الزواج، وذكر بناته تمثيلًا، وإلا فالمقصود بنات القرية أو المدينة؛ لأنه من المقطوع أن عدد بناته لا يكفي لعدد هؤلاء الذين وصَفَهم الله بقوله: ﴿وَجَاۤءَ أَهۡلُ ٱلۡمَدِینَةِ یَسۡتَبۡشِرُونَ﴾ وقد تقدَّم تفصيل ذلك.
﴿لَعَمۡرُكَ﴾ قَسَمٌ بحياة نبيِّنا محمد ، وهذا غاية التشريف.
﴿یَعۡمَهُونَ﴾ يتخبَّطُون تخبُّط الأعمى.
﴿إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّلۡمُتَوَسِّمِینَ﴾ دلائل وعبر للمتأمِّلِين.
﴿وَإِنَّهَا لَبِسَبِیلࣲ مُّقِیمٍ﴾ قرى قوم لوطٍ لا زالت آثارُها شاخِصة على الطريق الذي يسلكه الناس صباحًا ومساءً.
﴿أَصۡحَـٰبُ ٱلۡأَیۡكَةِ﴾ هم قوم شعيب عليه السلام.
﴿أَصۡحَـٰبُ ٱلۡحِجۡرِ﴾ ثمود قوم صالح عليه السلام.
﴿ٱلۡمُرۡسَلِینَ﴾ وأصحاب الحِجر إنما كذبوا صالحًا، وهنا إشارة إلى أن تكذيب النبيِّ الواحدِ هو تكذيبٌ لكلِّ النبيِّين.