وهذا من لطفِهِ بعباده؛ حيثُ أمرهم بأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال الموجبة للسعادة في الدُّنيا والآخرة، فقال: {وقُلْ لعبادي يقولوا التي هي أحسنُ}: وهذا أمرٌ بكلِّ كلام يقرِّب إلى الله؛ من قراءةٍ وذكرٍ وعلم وأمرٍ بمعروف ونهي عن منكرٍ وكلام حسنٍ لطيفٍ مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم، وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين؛ فإنَّه يؤمَر بإيثار أحسَنِهما إن لم يمكن الجمعُ بينَهما، والقول الحسنُ داعٍ لكلِّ خلقٍ جميل وعمل صالح؛ فإنَّ مَن مَلَكَ لسانه؛ مَلَكَ جميع أمره. وقوله: {إنَّ الشيطانَ يَنْزَغُ بينهم}؛ أي: يسعى بين العباد بما يُفْسِدُ عليهم دينهم ودنياهم؛ فدواءُ هذا أن لا يُطيعوه في الأقوال غير الحسنة التي يدعوهم إليها، وأن يَلينوا فيما بينَهم؛ لينقمعَ الشيطانُ الذي ينزغ بينهم؛ فإنَّه عدوُّهم الحقيقيُّ الذي ينبغي لهم أن يحاربوه؛ فإنَّه يدعوهم ليكونوا من أصحاب السعير، وأما إخوانهم؛ فإنَّهم وإنْ نزغ الشيطان فيما بينهم وسعى في العداوة؛ فإنَّ الحزم كلَّ الحزم السعيُ في ضدِّ عدوِّهم، وأن يَقْمَعوا أنفسهم الأمَّارة بالسوء، التي يدخُل الشيطان من قِبَلِها؛ فبذلك يطيعون ربَّهم، ويستقيم أمرهم، ويُهْدَون لرشدهم.