أي: {إنَّ الذين آمنوا}: بقلوبهم، {وعملوا الصالحات}: بجوارحهم، وشمل هذا الوصف جميع الدين؛ عقائده وأعماله، أصوله وفروعه الظاهرة والباطنة؛ فهؤلاء على اختلاف طبقاتهم من الإيمان والعمل الصالح، {لهم جناتُ الفردوس}: يُحتمل أن المراد بجنات الفردوس أعلى الجنة ووسطها وأفضلها، وأنَّ هذا الثواب لمن كمَّل الإيمان والعمل الصالح، وهم الأنبياء والمقرَّبون، ويُحتمل أن يُراد بها جميع منازل الجنان، فيشمل هذا الثواب جميع طبقات أهل الإيمان من المقرَّبين والأبرار والمقتصدين؛ كلٌّ بحسب حاله، وهذا [أَوْلى] المعنيين؛ لعمومه، ولذكر الجنة بلفظ الجمع المضاف إلى الفردوس، وأنَّ الفردوس يُطلق على البستان المحتوي على الكرم أو الأشجار الملتفَّة، وهذا صادق على جميع الجنة؛ فجنَّة الفردوس نُزُلٌ وضيافةٌ لأهل الإيمان والعمل الصالح، وأيُّ ضيافة أجلُّ وأكبر وأعظم من هذه الضيافة، المحتوية على كلِّ نعيم للقلوب والأرواح والأبدان؟! وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذُّ الأعينُ، من المنازل الأنيقة والرياض الناضرة والأشجار المثمرة والطيور المغرِّدة المشجية والمآكل اللذيذة والمشارب الشهيَّة والنساء الحسان والخدم والولدان والأنهار السارحة والمناظر الرائقة والجمال الحسيِّ والمعنويِّ والنعمة الدائمة، وأعلى ذلك وأفضله وأجلُّه التنعُّم بالقرب من الرحمن ونيل رضاه الذي هو أكبر نعيم الجنان، والتمتُّع برؤية وجهه الكريم وسماع كلام الرءوف الرحيم فلله تلك الضيافة؛ ما أجلها وأجملها وأدومها وأكملها! وهي أعظم من أن يحيطَ بها وصفُ أحدٍ من الخلائق، أو تخطر على القلوب؛ فلو عَلِمَ العبادُ بعض ذلك النعيم علماً حقيقياً يصل إلى قلوبهم لطارت إليها قلوبُهم بالأشواق، ولتقطَّعت أرواحهم من ألم الفراق، ولساروا إليها زرافاتٍ ووحداناً، ولم يؤثروا عليها دنيا فانيةً ولذاتٍ منغصةً متلاشيةً، ولم يفوِّتوا أوقاتاً تذهب ضائعةً خاسرةً، يقابل كلَّ لحظة منها من النعيم من الحقب آلافٌ مؤلَّفة، ولكنَّ الغفلة شملت، والإيمان ضَعُف، والعلم قلَّ، والإرادة وَهَتْ ، فكان ما كان؛ فلا حول ولا قوَّةَ إلاَّ بالله العليِّ العظيم.