وذكروا المحذور من اطِّلاع غيرهم عليهم وظهورهم عليهم أنَّهم بين أمرين: إما الرَّجم بالحجارة فيقتلونهم أشنع قِتلة لِحِنْقهم عليهم وعلى دينهم، وإما أن يفتنوهم عن دينهم ويردُّوهم في ملَّتهم، وفي هذه الحال لا تفلحون أبداً، بل يخسرون في دينهم ودُنياهم وأخراهم. وقد دلَّت هاتان الآيتان على عدة فوائد: منها: الحثُّ على العلم وعلى المباحثة فيه؛ لكون الله بعثهم لأجل ذلك. ومنها: الأدب فيمن اشتبه عليه العلم أن يردَّه إلى عالمه، وأن يَقِفَ عند حدِّه. ومنها: صحة الوكالة في البيع والشراء وصحَّة الشركة في ذلك. ومنها: جواز أكل الطيِّبات والمطاعم اللَّذيذة إذا لم تخرُجْ إلى حدِّ الإسراف المنهيِّ عنه؛ لقوله: {فَلْيَنظُرْ أيُّها أزكى طعاماً فليأتِكُم برزقٍ منه}: وخُصوصاً إذا كان الإنسان لا يلائمه إلا ذلك، ولعلَّ هذا عمدة كثير من المفسِّرين القائلين بأنَّ هؤلاء أولاد ملوك؛ لكونهم أمروه بأزكى الأطعمة التي جرت عادة الأغنياء الكبار بتناولها. ومنها: الحثُّ على التحرُّز والاستخفاء والبعد عن مواقع الفتن في الدين واستعمال الكِتْمان في ذلك على الإنسان وعلى إخوانه في الدين. ومنها: شدة رغبة هؤلاء الفتية في الدين وفرارهم من كلِّ فتنةٍ في دينهم وتركُهم أوطانَهم في الله. ومنها: ذِكْر ما اشتمل عليه الشرُّ من المضارِّ والمفاسد الداعية لبغضِهِ وتركِهِ، وأنَّ هذه الطريقة هي طريقة المؤمنين المتقدِّمين والمتأخِّرين؛ لقولهم: {ولن تُفْلِحوا إذاً أبداً}.