يخبر تعالى أنَّه أطْلَعَ الناس على حال أهل
الكهف، وذلك ـ والله أعلم ـ بعدما استيقظوا وبعثوا أحدهم يشتري لهم طعاماً وأمروه بالاستخفاء والإخفاء، فأراد الله أمراً فيه صلاحٌ للناس وزيادةُ أجرٍ لهم، وهو أنَّ الناس رأوا منهم آيةً من آيات الله المشاهَدَةِ بالعيان على أنَّ وعدَ الله حقٌّ لا شكَّ فيه ولا مِرْيةَ ولا بُعْدَ بعدما كانوا يتنازعون بينَهم أمرَهم؛ فمن مثبتٍ للوعد والجزاء ومن نافٍ لذلك، فجعل قصَّتَهم زيادةَ بصيرةٍ ويقينٍ للمؤمنين وحجَّةً على الجاحدين، وصار لهم أجرُ هذه القضيَّة، وشهَّر الله أمرهم، ورفع قدرهم، حتى عظَّمهم الذين اطَّلعوا عليهم؛ قالوا:
{ابنوا عليهم بُنياناً}: الله أعلمُ بحالهم ومآلهم! وقال مَنْ غَلَبَ على أمرهم ـ وهم الذين لهم الأمرُ ـ:
{لَنَتَّخِذَنَّ عليهم مسجداً}؛ أي: نعبد الله تعالى فيه ونتذكَّر به أحوالهم وما جرى لهم. وهذه الحالة محظورةٌ نهى عنها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وذمَّ فاعليها، ولا يدلُّ ذكرها هنا على عدم ذمِّها؛ فإنَّ السياق في شأن أهل
الكهف والثناء عليهم، وأنَّ هؤلاء وصلت بهم الحالُ إلى أن قالوا ابنوا عليهم مسجداً بعد خوف أهل
الكهف الشديد من قومهم وحَذَرِهم من الاطِّلاع عليهم، فوصلت الحال إلى ما ترى. وفي هذه القصة دليلٌ على أنَّ من فرَّ بدينه من الفتن؛ سلَّمه الله منها، وأنَّ مَن حرص على العافية؛ عافاه الله، ومن أوى إلى الله؛ آواه الله وجعله هدايةً لغيره، ومن تحمل الذُّلَّ في سبيله وابتغاء مرضاته؛ كان آخرُ أمره وعاقتبه العز العظيم من حيث لا يحتسب، وما عند الله خيرٌ للأبرار.