يأمر تعالى نبيَّه محمداً - صلى الله عليه وسلم -، وغيره أسوته في الأوامر والنواهي أن يصبر نفسه مع المؤمنين العُبَّاد المنيبين.
{الذين يَدْعونَ ربَّهم بالغداة والعشيِّ}؛ أي: أول النهار وآخره؛ يريدون بذلك وجه الله، فوصفهم بالعبادة و
الإخلاص فيها؛ ففيها الأمر بصحبة الأخيار ومجاهدة النفس على صحبتهم ومخالطتهم، وإنْ كانوا فقراء؛ فإنَّ في صحبتهم من الفوائد ما لا يُحصى.
{ولا تَعْدُ عيناك عنهم}؛ أي: لا تجاوزهم بصرك وترفع عنهم نظرك؛
{تريد زينةَ الحياةِ الدُّنيا}؛ فإنَّ هذا ضارٌّ غير نافع، قاطعٌ عن المصالح الدينيَّة؛ فإنَّ ذلك يوجب تعلُّق القلب بالدُّنيا، فتصير الأفكار والهواجس فيها، وتزول من القلب الرغبةُ في الآخرة؛ فإنَّ زينة الدُّنيا تروق للناظر وتَسْحَر القلب ، فيغفل القلب عن ذكر الله، ويُقْبِلُ على اللَّذَّات والشهوات، فيضيع وقته، وينفرط أمره، فيخسر الخسارة الأبديَّة والندامة السرمديَّة، ولهذا قال:
{ولا تُطِعْ من أغْفَلْنا قلبه عن ذكرنا}: غَفَلَ عن الله فعاقبه بأن أغْفَلَه عن ذكره،
{واتَّبَع هواه}؛ أي: صار تبعاً لهواه؛ حيث ما اشتهتْ نفسُه فعله، وسعى في إدراكه، ولو كان فيه هلاكه وخُسرانه؛ فهو قد اتَّخذ إلهه هواه؛ كما قال تعالى:
{أفرأيتَ مَنِ اتَّخذ إلهه هواه وأضلَّه الله على علم ... } الآية.
{وكان أمرُهُ}؛ أي: مصالح دينه ودنياه
{فُرُطاً}؛ أي: ضائعة معطَّلة؛ فهذا قد نهى الّله عن طاعته؛ لأن طاعته تدعو إلى الاقتداء به، ولأنَّه لا يدعو إلاَّ لما هو متَّصف به. ودلَّت الآية على أنَّ الذي ينبغي أن يُطاع، ويكون إماماً للناس مَن امتلأ قلبُه بمحبَّة الله، وفاض ذلك على لسانه، فلهج بذكر الله، واتَّبع مراضي ربِّه، فقدَّمها على هواه، فحفظ بذلك ما حَفِظَ من وقته، وصلحت أحوالُه، واستقامت أفعاله، ودعا الناس إلى ما منَّ الله به عليه؛ فحقيقٌ بذلك أن يُتَّبع، ويُجعل إماماً. والصبر المذكور في هذه الآية هو الصبر على طاعة الله، الذي هو أعلى أنواع الصبر، وبتمامه يتمُّ باقي الأقسام. وفي الآية استحبابُ الذِّكر والدُّعاء والعبادة طرفي النهار؛ لأنَّ الله مدحهم بفعله، وكلُّ فعل مَدَحَ الله فاعله؛ دلَّ ذلك على أن الله يحبُّه؛ وإذا كان يحبه فإنَّه يأمر به ويرغِّب فيه.