أي: {قل} للناس يا محمدُ: هو {الحقُّ من ربِّكم}؛ أي: قد تبيَّن الهدى من الضلال، والرُّشد من الغيِّ، وصفات أهل السعادة وصفات أهل الشقاوة، وذلك بما بيَّنه الله على لسان رسوله؛ فإذا بان واتَّضح ولم يبقَ فيه شبهةٌ؛ {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}؛ أي: لم يبق إلاَّ سلوكُ أحد الطريقين بحسب توفيق العبد وعدم توفيقه، وقد أعطاه الله مشيئةً بها يقدِرُ على الإيمان والكفر والخير والشرِّ؛ فمن آمن؛ فقد وُفِّق للصواب، ومن كَفَرَ؛ فقد قامت عليه الحجَّة، وليس بمكرهٍ على الإيمان؛ كما قال تعالى: {لا إكْراهَ في الدِّينِ قد تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ}، [وليس في قوله: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} الإذن في كلا الأمرين وإنما ذلك تهديد ووعيد لمن اختار الكفر بعد البيان التام كما ليس فيها تركه قتال الكافرين]. ثم ذكر تعالى مآل الفريقين، فقال: {إنَّا أعْتَدْنا للظالمين}: بالكفر والفسوق والعصيان، {ناراً أحاطَ بهم سُرادِقُها}؛ أي: سورها المحيط بها؛ فليس لهم منفذٌ ولا طريقٌ ولا مخلصٌ منها، تصلاهم النار الحامية. {وإن يَسْتغيثوا}؛ أي: يطلبوا الشراب ليطفئ ما نزل بهم من العطش الشديد؛ {يُغاثوا بماءٍ كالمهل}؛ أي: كالرصاص المذاب أو كعكر الزيت من شدَّة حرارته. {يَشْوي الوجوهَ}؛ أي: فكيف بالأمعاء والبطون؟! كما قال تعالى: {يُصْهَرُ به ما في بطونِهِم والجلودُ. ولهم مَقامِعُ من حديدٍ}. {بئس الشرابُ}: الذي يُراد ليطفئ العطش ويدفع بعض العذابِ فيكون زيادةً في عذابهم وشدَّة عقابهم، {وساءت}: النار {مرتفقاً}: وهذا ذمٌّ لحالة النار؛ أنَّها ساءت المحلَّ الذي يرتفق به؛ فإنَّها ليس فيها ارتفاقٌ؛ وإنَّما فيها العذاب العظيم الشاقُّ الذي لا يُفَتَّر عنهم ساعةً، وهم فيه مُبْلِسونَ، قد أيسوا من كلِّ خيرٍ، ونسيهم الرحيم في العذاب كما نسوه.