أي: لم نرسل الرُّسُلَ عَبَثاً، ولا ليتَّخذهم الناس أرباباً، ولا ليدعوا إلى أنفسهم، بل أرسلناهم يدعون الناس إلى كلِّ خير، وينهَوْن عن كلِّ شرٍّ، ويبشرونهم على امتثال ذلك بالثواب العاجل والآجل، وينذرونهم على معصية ذلك بالعقاب العاجل والآجل، فقامت بذلك حجة الله على العباد، ومع ذلك يأبى الظالمون الكافرون إلاَّ
المجادلة بالباطل لِيُدْحِضوا به الحقَّ، فسَعَوا في نصر الباطل مهما أمكنهم، وفي دحض الحقِّ وإبطاله، واستهزؤوا برسل الله وآياته، وفرحوا بما عندهم من العلم،
{ويأبى اللهُ إلاَّ أن يُتِمَّ نورَه ولو كره الكافرون}، ويظهر الحق على الباطل،
{بل نقذف بالحقِّ على الباطل فيدمَغُه فإذا هو زاهِقٌ}، ومن حكمة الله ورحمته أنَّ تقييضه المبطِلين المجادلين الحقَّ بالباطل من أعظم الأسباب إلى وضوح الحقِّ وتبيُّن شواهده وأدلَّته وتبيُّن الباطل وفساده؛ فبضدِّها تتبيَّن الأشياء.