بين هذه
القصص التي تفرَّدَت بها سورة
الكهف يعيد القرآن في هذا المقطع التذكير بقصة الخلق الأولى، والصراع الطويل بين الإنسان والشيطان، وهي قصة مكررة في القرآن الكريم ومؤكَّدة بأساليب مختلفة، وكأنها محور الابتلاء الإنساني الذي قدَّره الله في هذه الحياة، وقد مرَّت بنا بتدبُّر أوسع؛ ولذلك نكتفي هنا بالإشارة السريعة لبعض الملامح المناسبة لسياق السورة:
أولًا: إنّ الله أمر الملائكة بالسجود لآدم
عليه السلام، فسجدوا إلا إبليس
﴿وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِـَٔادَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلَّاۤ إِبۡلِیسَ﴾ ويبدو من السياق أنه داخل معهم في الأمر وإنْ لم يكن من جنسهم.
ثانيًا: صرَّح القرآن بأنّ إبليس كان من الجن، وجعل هذا كأنه السبب في فسوقه عن الطاعة
﴿كَانَ مِنَ ٱلۡجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِۦۤۗ﴾؛ إذ الجنّ كالإنس في هذه الناحية، ففيهم القدرة على الطاعة والقدرة على المعصية؛ تحقيقًا لمعنى الابتلاء والاختبار، بخلاف الملائكة.
ثالثًا: إنّ إبليس وذريَّته في حالة عداء دائم لآدم وذريَّته، وعليه فلا ينبغي لبني آدم أن يتخذوا الشياطين أولياء وأنصارًا لهم
﴿أَفَتَـتَّـخِذُونَهُۥ وَذُرِّیَّتَهُۥۤ أَوۡلِیَاۤءَ مِن دُونِی وَهُمۡ لَكُمۡ عَدُوُّۢۚ بِئۡسَ لِلظَّـٰلِمِینَ بَدَلࣰا﴾.
رابعًا: إنّ الله بدأ الخلق ولم يُشهد إبليس ولا ذريّته ولا تلك الآلهة المزيّفة التي عبدها الإنسان بغواية الشيطان، فالله مُتفرِّدٌ في خلقه، وهو الغنيُّ عنهم من كلِّ وجه، وهم المفتقرون إليه في أصل وجودهم، وفي كلّ شؤونهم
﴿۞ مَّاۤ أَشۡهَدتُّهُمۡ خَلۡقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَا خَلۡقَ أَنفُسِهِمۡ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلۡمُضِلِّینَ عَضُدࣰا﴾.
خامسًا: تلك الحقيقة الكبيرة ستتجلَّى يوم القيامة، وسينكشف كلُّ تزييفٍ وخداعٍ
﴿وَیَوۡمَ یَقُولُ نَادُواْ شُرَكَاۤءِیَ ٱلَّذِینَ زَعَمۡتُمۡ فَدَعَوۡهُمۡ فَلَمۡ یَسۡتَجِیبُواْ لَهُمۡ وَجَعَلۡنَا بَیۡنَهُم مَّوۡبِقࣰا﴾، وهناك سيندم أولئك المجرمون والمعاندون
﴿وَرَءَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمۡ یَجِدُواْ عَنۡهَا مَصۡرِفࣰا﴾.
سادسًا: أكَّد القرآن أنّ تلك الحقيقة قد بيَّنَها القرآن وفصَّلها وأقام الحجة عليها، لولا الكبر والعناد والجدال بالباطل
﴿وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِی هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلࣲۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَكۡثَرَ شَیۡءࣲ جَدَلࣰا﴾.
سابعًا: إن سنَّة الله ثابتة وباقية لا تُحابي أحدًا، ولا تظلم أحدًا، ووفق هذه السنَّة العادلة يكون الإنسان هو الذي يختار طريقه دون جَبرٍ من القدر ولا إكراه
﴿وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن یُؤۡمِنُوۤاْ إِذۡ جَاۤءَهُمُ ٱلۡهُدَىٰ وَیَسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّهُمۡ إِلَّاۤ أَن تَأۡتِیَهُمۡ سُنَّةُ ٱلۡأَوَّلِینَ أَوۡ یَأۡتِیَهُمُ ٱلۡعَذَابُ قُبُلࣰا﴾، وهذا العذاب إنّما هو نتيجة لظلمهم وتكذيبهم بدعوة الأنبياء
﴿وَمَا نُرۡسِلُ ٱلۡمُرۡسَلِینَ إِلَّا مُبَشِّرِینَ وَمُنذِرِینَۚ وَیُجَـٰدِلُ ٱلَّذِینَ كَفَرُواْ بِٱلۡبَـٰطِلِ لِیُدۡحِضُواْ بِهِ ٱلۡحَقَّۖ وَٱتَّخَذُوۤاْ ءَایَـٰتِی وَمَاۤ أُنذِرُواْ هُزُوࣰا ﮉوَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِۦ فَأَعۡرَضَ عَنۡهَا وَنَسِیَ مَا قَدَّمَتۡ یَدَاهُۚ إِنَّا جَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن یَفۡقَهُوهُ وَفِیۤ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرࣰاۖ وَإِن تَدۡعُهُمۡ إِلَى ٱلۡهُدَىٰ فَلَن یَهۡتَدُوۤاْ إِذًا أَبَدࣰا﴾.
ولم تكن هذه الغشاوة التي على قلوبهم وأبصارهم إلا مِن صنع أيديهم ومن ظلمهم لأنفسهم
﴿وَتِلۡكَ ٱلۡقُرَىٰۤ أَهۡلَكۡنَـٰهُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلۡنَا لِمَهۡلِكِهِم مَّوۡعِدࣰا﴾، مع أنَّ الله فتح لهم باب الرحمة والمغفرة
﴿وَرَبُّكَ ٱلۡغَفُورُ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۖ لَوۡ یُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلۡعَذَابَۚ﴾.