يقول الله لنبيه: {قد نرى تقلب وجهك في السماء}؛ أي كثرة تردده في جميع جهاته شوقاً وانتظاراً لنزول الوحي باستقبال الكعبة، وقال: {وجهك}؛ ولم يقل بصرك لزيادة اهتمامه، ولأن تقليب الوجه مستلزم لتقليب البصر، {فلنُوَلِّيَنَّكَ}؛ أي: نوجهك لولايتنا إياك، {قبلة ترضاها}؛ أي: تحبها، وهي الكعبة، وفي هذا بيان لفضله وشرفه - صلى الله عليه وسلم -، حيث أن الله تعالى يسارع في رضاه. ثم صرح له باستقبالها فقال: {فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام}؛ والوجه: ما أقبل من بدن الإنسان {وحيث ما كنتم}؛ أي: من بر وبحر شرق وغرب جنوب وشمال، {فولوا وجوهكم شطره}؛ أي: جهته، ففيها اشتراط استقبال الكعبة للصلوات كلها فرضها ونفلها، وأنه إن أمكن استقبال عينها وإلا فيكفي شطرها وجهتها، وأن الالتفات بالبدن مبطل للصلاة؛ لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده. ولما ذكر تعالى ـ فيما تقدم ـ المعترضين على ذلك من أهل الكتاب وغيرهم وذكر جوابهم، ذكر هنا أن أهل الكتاب والعلمِ منهم يعلمون أنك في ذلك على حقٍّ واضحٍ لما يجدونه في كتبهم فيعترضون عناداً وبغياً، فإذا كانوا يعلمون بخطئهم فلا تبالوا بذلك، فإن الإنسان إنما يغمه اعتراض من اعترض عليه إذا كان الأمر مشتبهاً وكان ممكناً أن يكون معه صواب، فأما إذا تيقن أن الصواب والحق مع المعترض عليه وأن المعترض معاند عارف ببطلان قوله فإنه لا محل للمبالاة، بل يُنتظَر بالمعترض العقوبة الدنيوية والأخروية فلهذا قال تعالى: {وما الله بغافل عمَّا يعملُون}؛ بل يحفظ عليهم أعمالهم ويجازيهم عليها، وفيها وعيد للمعترضين وتسلية للمؤمنين.