وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة، فجعل لكم الأرض فراشاً تستقرون عليها، وتنتفعون بالأبنية والزراعة والحراثة والسلوك من محل إلى محل، وغير ذلك من وجوه الانتفاع بها، وجعل السماء بناء لمسكنكم وأودع فيها من المنافع ما هو من ضروراتكم وحاجاتكم كالشمس و
القمر والنجوم
{وأنزل من السماء ماء}؛ والسماء هو: كل ما علا فوقك فهو سماء، ولهذا قال المفسرون: المراد بالسماء ههنا السحاب، فأنزل منه تعالى ماء
{فأخرج به من الثمرات}؛ كالحبوب والثمار من نخيل وفواكه وزروع وغيرها
{رزقاً لكم}؛ به ترتزقون وتتقوتون وتعيشون وتفكهون ،
{فلا تجعلوا لله أنداداً}؛ أي: أشباهاً ونظراء من المخلوقين؛ فتعبدونهم كما تعبدون الله، وتحبونهم كما تحبونه ، وهم مِثْلكم مخلوقون مرزوقون مُدبَّرون، لا يملكون مثقال ذرة في الأرض، ولا في السماء ، ولا ينفعونكم ولا يضرون
{وأنتم تعلمون}؛ أن الله ليس له شريك، ولا نظير لا في الخلق والرزق والتدبير، ولا في الألوهية والكمال ، فكيف تعبدون معه آلهة أخرى مع علمكم بذلك؟ هذا من أعجب العجب وأسفه السفه. وهذه الآية جمعت بين الأمر بعبادة الله وحده، والنهي عن عبادة ما سواه، وبيان الدليل الباهر على وجوب عبادته وبطلان عبادة ما سواه، وهو ذكر توحيد الربوبية المتضمن انفراده بالخلق والرزق والتدبير، فإذا كان كل أحد مقرًّا بأنه ليس له شريك بذلك فكذلك؛ فليكن الإقرار بأن الله ليس له شريك في عبادته ، وهذا أوضح دليل عقلي على وحدانية الباري تعالى وبطلان الشرك. وقوله:
{لعلكم تتقون}؛ يحتمل أن المعنى أنكم إذا عبدتم الله وحده اتقيتم بذلك سخطه وعذابه؛ لأنكم أتيتم بالسبب الدافع لذلك، ويحتمل أن يكون المعنى أنكم إذا عبدتم الله صرتم من المتقين الموصوفين بالتقوى، وكلا المعنيين صحيح، وهما متلازمان، فمن أتى بالعبادة كاملة؛ كان من المتقين، ومن كان من المتقين؛ حصلت له النجاة من عذاب الله، وسخطه.