يقص الله علينا من أنباء الرسل والسالفين ما به تتبين الحقائق، وتقوم البراهين المتنوعة على التوحيد، فأخبر تعالى عن خليله إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، حيث حاج هذا الملك الجبار، وهو نمرود البابلي المعطل المنكر لرب العالمين، وانتدب لمقاومة إبراهيم الخليل ومحاجته في هذا الأمر الذي لا يقبل شكًّا ولا إشكالاً ولا ريباً وهو توحيد الله وربوبيته الذي هو أجلى الأمور وأوضحها. ولكن هذا الجبار غره ملكه وأطغاه حتى وصلت به الحال إلى أن نفاه، وحاج إبراهيمَ الرسولَ العظيمَ الذي أعطاه الله من العلم واليقين ما لم يعط أحداً من الرسل سوى محمد - صلى الله عليه وسلم -، فقال إبراهيم مناظراً له: {ربي الذي يحيي ويميت}؛ أي: هو المنفرد بالخلق والتدبير والإحياء والإماتة، فذكر من هذا الجنس أظهرها وهو الإحياء والإماتة، فقال ذلك الجبار مباهتاً: {أنا أحيي وأميت}؛ وعنى بذلك أني أقتل من أردت قتله وأستبقي من أردت استبقاءه، ومن المعلوم أن هذا تمويه وتزوير عن المقصود، وأن المقصود أن الله تعالى هو الذي تفرد بإيجاد الحياة في المعدومات وردها على الأموات، وأنه هو الذي يميت العباد والحيوانات بآجالها بأسباب ربطها وبغير أسباب. فلما رآه الخليل مموهاً تمويهاً ربما راج على الهمج الرَّعاع قال إبراهيم ملزماً له بتصديق قوله إن كان كما يزعم: {فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، فبهت الذي كفر}؛ أي: وقف وانقطعت حجته، واضمحلت شبهته. وليس هذا من الخليل انتقالاً من دليل إلى آخر، وإنما هو إلزام لنمرود بطرد دليله إن كان صادقاً وأتى بهذا الذي لا يقبل الترويج والتزوير والتمويه، فجميع الأدلة السمعية والعقلية والفطرية قد قامت شاهدة بتوحيد الله معترفة بانفراده بالخلق والتدبير وأن من هذا شأنه لا يستحق العبادة إلا هو، وجميع الرسل متفقون على هذا الأصل العظيم، ولم ينكره إلا معاند مكابر مماثل لهذا الجبار العنيد، فهذا من أدلة التوحيد، ثم ذكر أدلة كمال القدرة والبعث والجزاء فقال: