سورة البقرة تفسير مجالس النور الآية 286

لَا یُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَیۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَاۤ إِن نَّسِینَاۤ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَیۡنَاۤ إِصۡرࣰا كَمَا حَمَلۡتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَاۤۚ أَنتَ مَوۡلَىٰنَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ ﴿٢٨٦﴾

تفسير مجالس النور سورة البقرة


المجلس الثاني والعشرون: مُوجِّهات ختاميَّة


من الآية (284- 286)


في خاتمة السورة الأطول في القرآن الكريم لخّص القرآن ما ينبغي على المسلم استذكاره وحفظه وجعله نصب عينيه أينما توجَّه، وكل هذا متَّصِل بموضوع السورة ومستوحى من آياتها:

أولًا: أنَّ الله هو مالِكُ المُلك: ﴿لِّلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ﴾ وهذا تذكير بأن استخلاف الأمَّة البديلة هو كاستخلاف من قبلهم، استخلاف لا ينقل الملك عن مالكه، فالملك لله وحده وإنما الناس مُستخلَفون فيه ابتلاءً وامتحانًا، وقد غلَّبَ القرآن المبهَمَ في خلقه: ﴿مَا﴾ ولم يقُل: ﴿مَنْ﴾؛ تأكيدًا للتعميم، ودخول كلِّ مخلوق مهما كان في مُلكِه تعالى.

ثانيًا: تحرير القصد، وإحضار النيَّة الصالحة، وتنظيف القلب من الآثام الباطنة، فهذا كلُّه أساس السلوك والعمل الظاهر ﴿وَإِن تُبۡدُواْ مَا فِیۤ أَنفُسِكُمۡ أَوۡ تُخۡفُوهُ یُحَاسِبۡكُم بِهِ ٱللَّهُ﴾.
ومن قال بنسخ هذه الآية إنَّما قاله ظنًّا منه أنَّ ما نُخفِيه في أنفسنا إنما هي الوساوس، وأنَّ هذا لا يتنزَّه عنه أحد، ومن ثَمَّ فالله قد نسخه بآيات أخرْ.
والحقيقة أنَّ الإثم الباطن لا يقتصر على الوسواس، فالنفاق والرياء والحقد والحسد وسوء الظن والحبُّ والكره كلها أعمال باطنة، وقد يستطيع الناس كتمانها وإظهار ما يخالفها، وهؤلاء لا شك أنَّهم محاسبون عليها أظهَرُوها أو كتَمُوها، والله أعلم.

ثالثًا: التذكير بأركان الإيمان ومعانيه الكلِّيَّة: ﴿ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰۤىِٕكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ﴾.

رابعًا: اقتران الإيمان بالعمل: ﴿وَقَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَا﴾

خامسًا: استشعار التقصير، وطلب العفو والمغفرة والرحمة: ﴿غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا﴾، ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَاۤ إِن نَّسِینَاۤ أَوۡ أَخۡطَأۡنَا﴾، ﴿ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَاۤ﴾.
وأمّا قوله تعالى: ﴿فَیَغۡفِرُ لِمَن یَشَاۤءُ وَیُعَذِّبُ مَن یَشَاۤءُ﴾ فالصحيح حمله على ما ينسجم مع عدل الله وحكمته، فالله يغفر لمن يطلب المغفرة إيمانًا وعبوديَّةً ورِقًّا، ويعذِّب من يتكبَّر على الاعتراف، ويصرُّ على المعصية عنادًا واستخفافًا، والله أعلم.

سادسًا: التكليف بقدر الاستطاعة: ﴿لَا یُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَا﴾، ﴿وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦ﴾ وهذا دعاء يُعلِّمُه الله للمؤمنين، فهو دعاء مطلوب ومشروع، وقد قدَّم الله الاستجابة عليه، وفي هذا من دقائق اللطف ما لا يُدرِكه إلا المُتدبِّرون.

سابعًا: تحمُّل المسؤولية، فكل مكلَّفٍ مسؤولٌ عن سلوكه وتصرُّفاته ﴿لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَیۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡ﴾.

ثامنًا: التمكين وتحقيق معاني الاستخلاف بدحْر الباطل، وظهور الحقِّ: ﴿أَنتَ مَوۡلَىٰنَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ﴾.