ولهذا؛ لما عَرَفَ السحرةُ الحقَّ ورزقَهم الله من العقل ما يدرِكون به الحقائق؛ أجابوه بقولهم: {لَن نُؤْثِرَكَ على ما جاءَنا من البيِّناتِ} [أي لن نختارك وما وعدتنا به من الأجر والتقريب على ما أرانا اللَّه من الآيات البينات]: الدالاَّتِ على أنَّ الله هو الربُّ المعبود وحدَه، المعظَّم المبجَّل وحده، وأنَّ ما سواه باطلٌ، ونؤثِرَكَ على الذي فَطَرنا وخَلَقنا، هذا لا يكونُ. {فاقضِ ما أنت قاضٍ}: مما أوْعَدْتنا به من القطع والصلب والعذاب، {إنَّما تقضي هذه الحياةَ الدُّنيا}؛ أي: إنما توعدنا به غاية ما يكون في هذه الحياة الدُّنيا ينقضي ويزولُ ولا يضرُّنا؛ بخلافِ عذاب الله لمن استمرَّ على كفرِهِ؛ فإنَّه دائمٌ عظيمٌ. وهذا كأنَّه جوابٌ منهم لقوله: {وَلَتَعْلَمُنَّ أيُّنا أشدُّ عذاباً وأبقى}. وفي هذا الكلام من السَّحرة دليلٌ على أنَّه ينبغي للعاقل أن يوازنَ بين لَذَّات الدُّنيا ولذَّات الآخرة وبين عذاب الدُّنيا وعذاب الآخرة.