{إنَّا آمنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لنا خَطايانا}؛ أي: كُفْرَنا ومعاصينا؛ فإنَّ الإيمان مكفِّر للسيئاتِ، والتوبة تجبُّ ما قبلها. وقولهم: {وما أكْرَهْتَنا عليه من السحر}: الذي عارَضْنا به الحقَّ. هذا دليلٌ على أنهم غير مختارين في عملهم المتقدِّم، وإنما [أكرههم] فرعونُ إكراهاً. والظاهر ـ والله أعلم ـ أنَّ موسى لما وعظهم ـ كما تقدَّم في قوله: {ويلَكُم لا تَفْتروا على اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بعذابٍ} أثَّر معهم ووقع منهم موقعاً كبيراً، ولهذا تنازعوا بعد هذا الكلام والموعظة. ثمَّ إنَّ فرعونَ ألزمهم ذلك وأكرهَهَم على المكرِ الذي أجْرَوْه، ولهذا تكلَّموا بكلامه السابق قبل إتيانهم؛ حيث قالوا: {إنْ هذانِ لَساحِرانِ يُريدانِ أن يخرِجاكم من أرضِكُم بسِحْرِهما}، فَجَرَوا على ما سنَّه لهم وأكرههم عليه. ولعلَّ هذه النكتة التي قامت بقلوبهم من كراهتهم لمعارضة الحقِّ بالباطل، وفعلهم ما فعلوا على وجه الإغماضِ هي التي أثَّرت معهم ورحمهم الله بسببها، ووفَّقهم للإيمان والتوبة. {والله خيرٌ}: مما أوعدتنا من الأجر والمنزلة والجاه، {وأبقى}: ثواباً وإحساناً، لا ما يقول فرعون: {ولَتَعْلَمُنَّ أيُّنا أشدُّ عذاباً وأبقى}؛ يريد أنه أشد عذاباً وأبقى. وجميع ما أتى من قَصَص موسى مع فرعون يَذْكُرُ الله فيه إذا أتى على قصة السحرة أن فرعون توعدهم بالقطع والصلب ولم يذكر أنَّه فعل ذلك، ولم يأتِ في ذلك حديثٌ صحيح، والجزم بوقوعه أو عدمِهِ يتوقَّف على الدليل. والله أعلم بذلك وغيره، [ولكن توعده إياهم بذلك مع اقتداره، دليل على وقوعه، ولأنه لو لم يقع لذكره اللَّه، ولاتفاق الناقلين على ذلك].