بعد عرض القرآن لسيرة موسى
عليه السلام ومواجهته لفرعون وسحَرَته، ثم تجربته الطويلة مع قومه بعد أن أنقَذَهم الله به من وَطأَة فرعون وافتتانهم بالعِجل، عاد القرآن ليوجِّه الخطاب للأمة البديلة، مُستخلِصًا الدرسَ الأكبر، ومُذكِّرًا بالحقيقة الكبرى، وبالمصير الواحد الذي ينتظر الجميع؛ الأمم السالفة، والأمم الوريثة، فكلُّهم سائِرُون إلى يومٍ واحدٍ هو يوم الحساب، وكلُّ امرئٍ منهم إنّما هو مجزيٌّ بعمله، ويمكن استخلاص كلِّ هذا في النقاط الآتية:
أولًا: تأكيد موثوقيَّة
القصص القرآني؛ ليكون مستندًا ثابتًا ويقينيًّا لأخذ الدرس والعبرة
﴿كَذَ ٰلِكَ نَقُصُّ عَلَیۡكَ مِنۡ أَنۢبَاۤءِ مَا قَدۡ سَبَقَۚ وَقَدۡ ءَاتَیۡنَـٰكَ مِن لَّدُنَّا ذِكۡرࣰا﴾ وهذه
القصص ليست للتسلية، ولا لزيادة المعارف التاريخية المجردة، وإنما هي جُزءٌ من منظومة القرآن في إصلاح المجتمع البشري
﴿وَكَذَ ٰلِكَ أَنزَلۡنَـٰهُ قُرۡءَانًا عَرَبِیࣰّا وَصَرَّفۡنَا فِیهِ مِنَ ٱلۡوَعِیدِ لَعَلَّهُمۡ یَتَّقُونَ أَوۡ یُحۡدِثُ لَهُمۡ ذِكۡرࣰا﴾، ومن ثَمَّ كان طريق الهداية والإصلاح إنَّما هو في تدبُّر هذا القرآن وفهمه، والتزوُّد مِن علمِه، وعلى أُسُسه وقواعده
﴿وَلَا تَعۡجَلۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مِن قَبۡلِ أَن یُقۡضَىٰۤ إِلَیۡكَ وَحۡیُهُۥ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدۡنِی عِلۡمࣰا﴾.
ثانيًا: إنَّ ذلك اليوم الذي ينتَظِرُ الجميع آتٍ لا محالة، ذلك اليوم الذي تتغيَّر فيه الأرض، وتُزلزَل فيه الجبال
﴿وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡجِبَالِ فَقُلۡ یَنسِفُهَا رَبِّی نَسۡفࣰا ﴿١٠٥﴾ فَیَذَرُهَا قَاعࣰا صَفۡصَفࣰا ﴿١٠٦﴾ لَّا تَرَىٰ فِیهَا عِوَجࣰا وَلَاۤ أَمۡتࣰا﴾ وإذا كان هذا حال الجبال، فما بالُك بالخلق الآخرين؟
ثالثًا: إنَّ الناس في ذلك اليوم العَصِيب سيكون حالُهم حالَ المُترقِّب الخائف الوَجِل، لقد اختَفَت السُّنَن التي كانت تحكم هذا الكون، وكانوا على دِرايةٍ بها، أما اليوم فهم أمام عالَمٍ جديدٍ، ووضعٍ مُختلفٍ، لا يملِكُون فيه رأيًا ولا سببًا ولا حولًا ولا قوةً
﴿یَوۡمَىِٕذࣲ یَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِیَ لَا عِوَجَ لَهُۥ ۖ وَخَشَعَتِ ٱلۡأَصۡوَاتُ لِلرَّحۡمَـٰنِ فَلَا تَسۡمَعُ إِلَّا هَمۡسࣰا﴾.
رابعًا: سيلقى الظالمون المكذِّبون هناك جزاءَهم العادِلَ أفرادًا وجماعات
﴿یَوۡمَ یُنفَخُ فِی ٱلصُّورِۚ وَنَحۡشُرُ ٱلۡمُجۡرِمِینَ یَوۡمَىِٕذࣲ زُرۡقࣰا ﴿١٠٢﴾ یَتَخَـٰفَتُونَ بَیۡنَهُمۡ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا عَشۡرࣰا﴾.
خامسًا: سيكتشِف هؤلاء الخاسرون أنَّ سببَ هلاكهم وخسارتهم إنّما كان أولًا بتكذيبهم لكلام الله والإعراض عنه
﴿وَقَدۡ ءَاتَیۡنَـٰكَ مِن لَّدُنَّا ذِكۡرࣰا ﴿٩٩﴾ مَّنۡ أَعۡرَضَ عَنۡهُ فَإِنَّهُۥ یَحۡمِلُ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ وِزۡرًا﴾، وبما توهَّمُوه من وسطاء وشفعاء
﴿یَوۡمَىِٕذࣲ لَّا تَنفَعُ ٱلشَّفَـٰعَةُ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَـٰنُ وَرَضِیَ لَهُۥ قَوۡلࣰا﴾، وبما حمَلُوه من ظُلمٍ عام بحقِّ الله وحقِّ خلقه
﴿۞ وَعَنَتِ ٱلۡوُجُوهُ لِلۡحَیِّ ٱلۡقَیُّومِۖ وَقَدۡ خَابَ مَنۡ حَمَلَ ظُلۡمࣰا﴾.
سادسًا: أما المؤمنون الصالحون فذلك اليوم يومهم الذي كانوا ينتظرونه ويعملون له
﴿وَمَن یَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَلَا یَخَافُ ظُلۡمࣰا وَلَا هَضۡمࣰا ﴿١١٢﴾﴾.