سورة طه تفسير مجالس النور الآية 131

وَلَا تَمُدَّنَّ عَیۡنَیۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦۤ أَزۡوَ ٰ⁠جࣰا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِیهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَیۡرࣱ وَأَبۡقَىٰ ﴿١٣١﴾

تفسير مجالس النور سورة طه

المجلس الثامن والثلاثون بعد المائة: التذكير بالعهد الأول وتوجيهات ختامية


من الآية (115- 135)


تتناولُ الآيات الأخيرة في هذه السورة تذكيرًا بعهد الله الأول مع هذا الإنسان قبل أن يهبِط على هذه الأرض، ويدخل في ميدان التكليف العملي، ثم التوجيهات الختاميَّة المناسبة لرسالة السورة وما عرَضَته من تجارب ومشاهد وأحداث، وكما يأتي:
أولًا: عهِدَ الله لآدم بالخلافة فأسجَدَ له ملائكته، وحذَّرَه مِن كَيدِ الشيطان ﴿وَلَقَدۡ عَهِدۡنَاۤ إِلَىٰۤ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِیَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمࣰا ﴿١١٥﴾ وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِـَٔادَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلَّاۤ إِبۡلِیسَ أَبَىٰ ﴿١١٦﴾ فَقُلۡنَا یَـٰۤـَٔادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوࣱّ لَّكَ وَلِزَوۡجِكَ فَلَا یُخۡرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلۡجَنَّةِ فَتَشۡقَىٰۤ﴾ إلا أنَّ الشيطان تمكَّن مِن الدخول إلى آدم مِن غريزَتَين بشريَّتَين تُولَدَان مع الإنسان وتبقَيَان معه حتى الموت؛ حبُّ الملك، وحبُّ البقاء، أو هما حبُّ الدنيا، وكراهيةُ الموت ﴿فَوَسۡوَسَ إِلَیۡهِ ٱلشَّیۡطَـٰنُ قَالَ یَـٰۤـَٔادَمُ هَلۡ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلۡخُلۡدِ وَمُلۡكࣲ لَّا یَبۡلَىٰ ﴿١٢٠﴾ فَأَكَلَا مِنۡهَا فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَ ٰ⁠ تُهُمَا وَطَفِقَا یَخۡصِفَانِ عَلَیۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ وَعَصَىٰۤ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ﴾ غير أنَّ بابَ التوبة مفتوحٌ لآدم وذريته لا يغلقه إلا الموت أو الساعة ﴿ثُمَّ ٱجۡتَبَـٰهُ رَبُّهُۥ فَتَابَ عَلَیۡهِ وَهَدَىٰ﴾، وكان هذا الدرس قبل هبوطهما إلى الأرض؛ ليتدرَّبا ويُدرِّبا أولادَهما على طبيعة المعركة مع هذا الشيطان.
ثانيًا: بعد أن هبَطَ الإنسان على هذه الأرض أصبَحَت عنده تجربة سابقة يستَنِد إليها، وميزان حاضر يحتَكِم إليه ﴿قَالَ ٱهۡبِطَا مِنۡهَا جَمِیعَۢاۖ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوࣱّۖ فَإِمَّا یَأۡتِیَنَّكُم مِّنِّی هُدࣰى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَایَ فَلَا یَضِلُّ وَلَا یَشۡقَىٰ ﴿١٢٣﴾ وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِی فَإِنَّ لَهُۥ مَعِیشَةࣰ ضَنكࣰا وَنَحۡشُرُهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ أَعۡمَىٰ﴾.
ثالثًا: يدعو الله هذا الإنسان للنظر في تاريخه وتاريخ الأمم السالفة وما جرى لها، فهذا أحرى أن يدفع به لسلوك طريق الهدى، وتجنّب مهاوي الضلالة والردى ﴿أَفَلَمۡ یَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ یَمۡشُونَ فِی مَسَـٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّأُوْلِی ٱلنُّهَىٰ﴾ والعذاب الذي أصاب الأمم السابقة ليس ببعيدٍ عن كلّ مَن يسلك آثارهم ويتبع خطواتهم، ولكن لكلِّ أجلٍ كتاب ﴿وَلَوۡلَا كَلِمَةࣱ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامࣰا وَأَجَلࣱ مُّسَمࣰّى﴾ فلم يبق لهم ما يعتذرون به بعد أن أقام الله عليهم حجته، وأرسل لهم نبيّه، وأنزل عليهم هَديَه ﴿وَلَوۡ أَنَّاۤ أَهۡلَكۡنَـٰهُم بِعَذَابࣲ مِّن قَبۡلِهِۦ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوۡلَاۤ أَرۡسَلۡتَ إِلَیۡنَا رَسُولࣰا فَنَتَّبِعَ ءَایَـٰتِكَ مِن قَبۡلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخۡزَىٰ ﴿١٣٤﴾ قُلۡ كُلࣱّ مُّتَرَبِّصࣱ فَتَرَبَّصُواْۖ فَسَتَعۡلَمُونَ مَنۡ أَصۡحَـٰبُ ٱلصِّرَ ٰ⁠طِ ٱلسَّوِیِّ وَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ﴾.
رابعًا: يُوصِي الله نبيَّه ومِن خلْفِه كلَّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ بالصبر والثبات على طريق الحقِّ، واللجوء إلى الله تعالى في كلِّ الأحوال ﴿فَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا یَقُولُونَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ غُرُوبِهَاۖ وَمِنۡ ءَانَاۤىِٕ ٱلَّیۡلِ فَسَبِّحۡ وَأَطۡرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرۡضَىٰ﴾ ثم يُوصِي بتذكير الأهل، وحثَّهم على الطاعة، وإقامة الصلاة، والتدرّع بالصبر مع كلِّ ذلك ﴿وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَیۡهَاۖ﴾.
خامسًا: يدعو الله ـ كلَّ سائر على هذا الطريق أنْ يحذَرَ مزالق الفتنة، ومداخل الشيطان ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَیۡنَیۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦۤ أَزۡوَ ٰ⁠جࣰا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِیهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَیۡرࣱ وَأَبۡقَىٰ﴾.


﴿فَنَسِیَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمࣰا﴾ نسيَ العهد بأكله من الشجرة، ولم تكن عنده العزيمة الكافية لامتِثَال الأمر واجتناب النهي؛ إذ مِن لوازم الخلافة تحقيقُ معنى العبودية لله، والخضوع له في كلِّ ما أمر أو نهى.
﴿فَلَا یُخۡرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلۡجَنَّةِ فَتَشۡقَىٰۤ﴾ هي صورةٌ لما يمكن أن يُباعِد بين الإنسان وبين الجنَّة التي يرجُوها في آخرته، أما آدم فكان مُقدَّرًا عليه وعلى ذريته أن يكونوا في الأرض لإعمارها، وهم بهذا مُمتَحَنون ﴿وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی جَاعِلࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ خَلِیفَةࣰۖ﴾ [البقرة: 30].
﴿وَلَا تَضۡحَىٰ﴾ لا تحتاجُ إلى كسب الرزق والعمل تحت وطأة الشمس.
﴿فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَ ٰ⁠ تُهُمَا﴾ بعد أكلهما من الشجرة، وفيه إشارةٌ أنَّ المعاصي تكشِفُ قبائِحَ الإنسان وأخلاقَه الباطنية السيئة، والله أعلم.
﴿وَطَفِقَا یَخۡصِفَانِ عَلَیۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ﴾ بادِرَا بستر العورة من أوراق الجنة.
﴿وَنَحۡشُرُهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ أَعۡمَىٰ﴾ شبَّهَهُ بالأعمى على سبيل المجاز؛ لأنه لا يهتدي إلى الجنة ولا يعرف طريقها.
﴿مَنۡ أَسۡرَفَ﴾ تجاوز الحدّ بكفره وظلمه.
﴿أَفَلَمۡ یَهۡدِ لَهُمۡ﴾ أفلم يبيِّن لهم الله.
﴿لَـَٔایَـٰتࣲ لِّأُوْلِی ٱلنُّهَىٰ﴾ أصحاب العقول.
﴿یَمۡشُونَ فِی مَسَـٰكِنِهِمۡۚ﴾ يمرُّون بها أثناء سفرهم.
﴿وَلَوۡلَا كَلِمَةࣱ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامࣰا وَأَجَلࣱ مُّسَمࣰّى﴾ أي: لولا كلمةٌ سبَقَت، وأجلٌ مُسمًّى لوقع عليهم العذاب.
﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَیۡنَیۡكَ﴾ أي: لا تتمنَّ ما أعطَيناه لأصنافٍ مِن هؤلاء الكافرين المعاندين لك، فما عندهم متاع زائل.
﴿قُلۡ كُلࣱّ مُّتَرَبِّصࣱ﴾ منتظر.