ثم رجع إلى تهجين حال المشركين، وأنَّهم اتَّخذوا من دونه آلهةً؛ فقُلْ لهم موبِّخاً ومقرِّعاً: {أم اتَّخذوا من دونِهِ آلهةً قل هاتوا برهانَكم}؛ أي: حجَّتكم ودليلكم على صحَّة ما ذهبتُم إليه، ولن يجدوا لذلك سبيلاً، بل قد قامتِ الأدلة القطعيَّة على بطلانِهِ، ولهذا قال: {هذا ذكرُ مَن معيَ وذِكْرُ من قبلي}؛ أي: قد اتَّفقت الكتب والشرائع على صحَّة ما قلتُ لكم من إبطال الشرك؛ فهذا كتابُ الله الذي فيه ذِكْرُ كلِّ شيء بأدلَّته العقليَّة والنقليَّة، وهذه الكتب السابقة كلُّها براهينُ وأدلَّة لما قلتُ. ولمَّا عُلم أنَّهم قامت عليهم الحجَّة والبرهانُ على بطلان ما ذهبوا إليه؛ عُلم أنَّه لا برهان لهم؛ لأنَّ البرهان القاطع يُجزَمُ أنَّه لا معارض له، وإلاَّ؛ لم يكن قطعيًّا، وإن وُجِدَ معارضات؛ فإنَّها شُبَهٌ لا تغني من الحقِّ شيئاً. وقوله: {بل أكثرهُم لا يعلمون الحقَّ}؛ أي: وإنَّما أقاموا على ما هم عليه تقليداً لأسلافهم؛ يجادِلون بغير علم ولا هدىً، وليس عدمُ علمهم الحقَّ لخفائِهِ وغموضِهِ، وإنَّما ذلك لإعراضهم عنه، وإلاَّ؛ فلو التفتوا إليه أدنى التفاتٍ؛ تبيَّن لهم الحقُّ من الباطل تبيُّناً واضحاً جليًّا، ولهذا قال: {فهم معرضونَ}.