أي: واذكرْ عبدَنا ورسولَنا {ذَا النُّونِ}، وهو يونُس؛ أي: صاحب النون، وهي الحوت، بالذكر الجميل والثناء الحسن؛ فإنَّ الله تعالى أرسله إلى قومه، فدعاهم، فلم يؤمنوا، فوعدهم بنزول العذاب بأمدٍ سمَّاه لهم، فجاءهم العذابُ، ورأوه عِياناً، فعَجُّوا إلى الله وضجُّوا وتابوا، فرفع الله عنهم العذاب؛ كما قال تعالى: {فلولا كانت قريةٌ آمنتْ فَنَفَعَها إيمانُها إلاَّ قومَ يونُسَ لما آمنوا كَشَفْنا عنهم عذابَ الخِزْي في الحياة الدنيا ومتَّعْناهم إلى حين}، وقال: {وأرسَلْناه إلى مائةِ ألفٍ أو يزيدونَ. فآمَنوا فَمَتَّعْناهم إلى حينٍ}. وهذه الأمَّة العظيمة الذين آمنوا بدعوة يونس من أكبر فضائله، ولكنه عليه الصلاة والسلام ذَهَبَ مغاضِباً وأبَقَ عن ربِّه لذنبٍ من الذُّنوب التي لم يَذْكُرها الله لنا في كتابه ولا حاجة لنا إلى تعيينها؛ لقوله: {إذْ أبَقَ إلى الفُلْكِ ... وهو مليمٌ}؛ أي: فاعلٌ ما يُلام عليه، [والظاهر أن عجلته ومغاضبته لقومه وخروجه من بين أظهرهم قبل أن يأمره اللَّه بذلك]. وظنَّ أنَّ الله لا يقدر عليه؛ أي: يضيِّق عليه في بطن الحوت، أو ظنَّ أنَّه سيفوتُ الله تعالى، ولا مانع من عُروض هذا الظنِّ للكمَّل من الخلق على وجهٍ لا يستقرُّ ولا يستمرُّ عليه، فركب في السفينة مع أناس، فاقْتَرَعوا مَنْ يُلقون منهم في البحر لما خافوا الغرق إن بَقُوا كلُّهم، فأصابت القرعةُ يونس، فالتقمه الحوتُ، وذهب فيه إلى ظلمات البحار، فنادى في تلك الظلمات: {لا إله إلا أنتَ سبحانَكَ إني كنتُ من الظالمينَ}، فأقرَّ لله تعالى بكمال الألوهيَّة، ونزَّهه عن كل نقص وعيبٍ وآفةٍ، واعترفَ بظلم نفسِهِ وجنايتِهِ؛ قال الله تعالى: {فَلَوْلا أنَّه كان من المسبِّحين. لَلَبِثَ في بطنِهِ إلى يوم يبعثون}، ولهذا قال هنا: {فاستَجَبْنا له ونَجَّيْناه من الغمِّ}؛ أي: الشدَّة التي وقع فيها، {وكذلك نُنْجي المؤمنينَ}: وهذا وعدٌ وبشارةٌ لكلِّ مؤمن وقع في شدَّة وغمٍّ: أنَّ الله تعالى سَيُنجيه منها ويكشِفُ عنه، ويخفِّفُ لإيمانِهِ؛ كما فعل بيونس عليه السلام.