﴿أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ ءَالِهَةࣰ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ هُمۡ یُنشِرُونَ﴾ استفهامٌ مُتضمِّن معنى النفي والإنكار، أي: إن هذه الإلهة المزيَّفة لا تقدر على نشرهم وإحيائهم بعد إماتتهم.
﴿لَوۡ كَانَ فِیهِمَاۤ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَاۚ﴾ أي: لو كان في السماوات والأرض آلهة متعددة غير الله لفَسَد النظام الكوني؛ لأنه لن يكون هناك نظام واحد، بل كلُّ إلهٍ يضع النظام الذي يريده.
﴿لَا یُسۡـَٔلُ عَمَّا یَفۡعَلُ وَهُمۡ یُسۡـَٔلُونَ﴾ فالله لا يسأله أحدٌ عن إرادته وقدرته المطلقة التي أنتَجَت هذا النظام الكوني الواحد، وكلُّ ما عدا الله يُسألُ عن سُلُوكه وتصرُّفاته.
﴿هَـٰذَا ذِكۡرُ مَن مَّعِیَ﴾ القرآن الذي هو ذِكرٌ للمُؤمنين.
﴿وَذِكۡرُ مَن قَبۡلِیۚ﴾ التوراة والإنجيل.
﴿بَلۡ عِبَادࣱ مُّكۡرَمُونَ﴾ هم الملائكة الذين نعَتَهم المشركون بصفات الإله أو أنَّهم بنات الله.
﴿لَا یَسۡبِقُونَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ﴾ أي: لا يُقدِّمون قولَهم على قول خالقهم، بمعنى أنَّهم مُستسلِمُون لطاعته وعبادته.
﴿وَلَا یَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ﴾ نفيٌ للشفاعة الباطلة التي هي مُستند الشرك، وفتح باب الشفاعة المقترنة بمعاني التوحيد والرحمة الإلهيَّة الواسعة.
﴿۞ وَمَن یَقُلۡ مِنۡهُمۡ إِنِّیۤ إِلَـٰهࣱ مِّن دُونِهِۦ فَذَ ٰلِكَ نَجۡزِیهِ جَهَنَّمَۚ﴾ هذا مثل قوله تعالى:
﴿لَىِٕنۡ أَشۡرَكۡتَ لَیَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: 65] فصورةُ الخطاب لرسولِ الله
ﷺ، والمقصود غيره ممن يتوقَّع منهم الشرك بعد الإيمان، فرسولُ الله مُنزَّهٌ عن الشرك، وكذلك الملائكة، وإنَّما المقصود تهديد المشركين أشدَّ التهديد، فإذا كان الملائكة لو ادَّعى واحدٌ منهم أنَّه إلهٌ، كان هذا عقابه، فكيف بمن يكذب عليهم هذه الكذبة، أو يدَّعِيها لنفسه كما فعل فرعون؟
﴿أَوَلَمۡ یَرَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ كَانَتَا رَتۡقࣰا فَفَتَقۡنَـٰهُمَاۖ﴾ كانتا شيئًا واحدًا متصلًا، ثم فصَلَ الله بينهما، وربما كشف العلم الحديث بعض الحقائق والنظريات الداعمة لهذا التفسير.
لكن يُشكِل هنا: أنَّ الكافرين لم يرَوا ذلك، والقرآن قال:
﴿أَوَلَمۡ یَرَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤاْ﴾ ثم إنَّه لا بُدَّ مِن مُحاجَجتهم بشيءٍ يعلَمُونه، ويُؤكِّد فيهم دقَّة النظام الكوني الواحد الذي يدلُّ على وجود الخالق الواحد، فهذا هو السياق أصلًا.
وعليه فقولُ ابن عباس وغيره أنَّهم يرَون السماء رَتقًا، فتنفَتِقُ عليهم بالمطر، ويرَون الأرض رَتقًا، فتنفَتِقُ لهم بالزرع أقرب لِمَا يعلمه المشركون في ذلك الوقت، وأدلّ على موضوع الحوار، وهناك قرينة من النص أيضًا، وهي قوله تعالى مُباشرةً:
﴿وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَاۤءِ كُلَّ شَیۡءٍ﴾، وليس مِن مانع أنْ تتضمَّن الآية المعنَيَين، فهما ليسا ضدَّين ولا نقيضَين، بل فَتقُ الكون الأكبر مُقدِّمة لفَتقِ المطر والزرع، والله أعلم.
﴿وَجَعَلۡنَا فِی ٱلۡأَرۡضِ رَوَ ٰسِیَ أَن تَمِیدَ بِهِمۡ﴾ الرواسي: الجبال، وقد قرَنَها القرآن باستِقرار الأرض وتوازنها، فلا تنقلب بنا ولا
﴿ﮭ﴾ أي: تتحرك بأهلها فلا يستقرون عليها.
﴿فِجَاجࣰا سُبُلࣰا﴾ والسبل هي: الفِجَاج، وجاء بها للبيانِ والتأكيدِ.
﴿وَجَعَلۡنَا ٱلسَّمَاۤءَ سَقۡفࣰا مَّحۡفُوظࣰـاۖ﴾ مُتماسِكًا فلا تقَع على الأرض.
﴿كُلࣱّ فِی فَلَكࣲ یَسۡبَحُونَ﴾ يسِيرُون في مداراتهم المُخصَّصة لهم وفق النظام الكوني الدقيق الذي ضبَطَ الله فيه حركةَ هذا الكون بما فيه من شمسٍ وقمرٍ.
﴿كُلُّ نَفۡسࣲ ذَاۤىِٕقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ﴾ قرارٌ حاسِمٌ وشامِلٌ لا يُستثنى منه أحد، وإنّما الفارق في الآجال وموعد التنفيذ.
﴿وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَیۡرِ فِتۡنَةࣰۖ﴾ فكلُّ ما يُصيب الإنسان في هذه الحياة من صحةٍ ومرضٍ، وقوةٍ وضعفٍ، وغنًى وفقرٍ، وكلّ ما يسُرُّه أو يُحزِنُه إنَّما هو داخِلٌ في باب الابتِلاء والاختِبار، كما قال تعالى في موضع آخر:
﴿خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَیَوٰةَ لِیَبۡلُوَكُمۡ﴾ [الملك: 2]، وإنَّما العبرة بسلوك المبتلى؛ فمن شكَرَ وصبَرَ ظَفِرَ، ومن بطرَ وجَزِعَ خَسِرَ.
﴿خُلِقَ ٱلۡإِنسَـٰنُ مِنۡ عَجَلࣲۚ﴾ أي: عَجُولًا، والسياق يقدم بهذه الجملة؛ تمهيدًا لردِّه على الكافرين في استعجالهم العذاب استعجال المُنكِر المتحدِّي؛ ولذلك عقَّب بقوله:
﴿سَأُوْرِیكُمۡ ءَایَـٰتِی فَلَا تَسۡتَعۡجِلُونِ﴾.
﴿فَتَبۡهَتُهُمۡ﴾ تجعلهم باهِتِين واجِمِين لا يعرفون ماذا يصنَعون.
﴿فَحَاقَ بِٱلَّذِینَ سَخِرُواْ مِنۡهُم مَّا كَانُواْ بِهِۦ یَسۡتَهۡزِءُونَ﴾ فأحاط بهم العذاب الذي يستحقونه على استهزائهم بأنبيائهم.
﴿مَن یَكۡلَؤُكُم بِٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحۡمَـٰنِۚ﴾ مَن يحفظكم ويمدكم بأسباب الحياة غير الله؟ و
﴿مَن﴾ هنا على البدليَّة، بمعنى: مَن ذاك البديل عن الرحمن الذي يكلَؤُكم؟
﴿أَمۡ لَهُمۡ ءَالِهَةࣱ تَمۡنَعُهُم مِّن دُونِنَاۚ﴾ تأكيدٌ للمعنى الأول، بمعنى: هل لهم آلهة غيرنا تحفظهم؟
﴿وَلَا هُم مِّنَّا یُصۡحَبُونَ﴾ أي: لا تكون معهم منا نصرة أو جوار.
﴿أَفَلَا یَرَوۡنَ أَنَّا نَأۡتِی ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَاۤۚ أَفَهُمُ ٱلۡغَـٰلِبُونَ﴾ إنذار للمشركين بأنَّ كلَّ سلطان آيلٌ إلى النقصان ثم الزوال، وهذه سنَّةٌ من سُننِ الله، والمقصود بالأرض هنا: الدولة والسلطان الذي يقوم على أرض محددة، ثم تتآكل هذه الدولة، وينكمش ذلك السلطان، وهذا أمرٌ مشاهدٌ ومعلومٌ في كلِّ أمم الأرض، وقرينة هذا المعنى قوله تعالى:
﴿أَفَهُمُ ٱلۡغَـٰلِبُونَ﴾، والله أعلم.
﴿وَلَىِٕن مَّسَّتۡهُمۡ نَفۡحَةࣱ مِّنۡ عَذَابِ رَبِّكَ﴾ شيءٌ من عذاب الله المُعجَّل لهم في الدنيا.
﴿وَنَضَعُ ٱلۡمَوَ ٰزِینَ ٱلۡقِسۡطَ﴾ أي: الموازين العادلة التي لا تُحابي ولا تميل على أحد.
﴿وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ ٱلۡفُرۡقَانَ﴾ التوراة، وكأنَّ هذه الآية جاءت لتربط بين موضوع هذه السورة والسورة التي قبلها، وهي سورة طه، بتأكيد أنَّ دعوة الأنبياء واحدة، وأنّهم يُمثِّلون سلسلة النور والتوحيد في مُقابل تلك التي تُمثِّل الظلامَ والوثنيَّةَ.