بعد التذكير بقصة موسى وهارون، ثم تفصيل قصة إبراهيم وتحطيمه للأصنام، شَرَعَ القرآن بنظم بعض الشذرات والومضات السريعة مِن قصص النبيين عليهم جميعًا وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والتسليم، وهي كالآتي:
أولًا: ذِكْرُ لوط
عليه السلام وكيف نجَّاه الله من تلك القرية التي كانت تعمل الخبائث
﴿وَلُوطًا ءَاتَیۡنَـٰهُ حُكۡمࣰا وَعِلۡمࣰا وَنَجَّیۡنَـٰهُ مِنَ ٱلۡقَرۡیَةِ ٱلَّتِی كَانَت تَّعۡمَلُ ٱلۡخَبَـٰۤىِٕثَۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمَ سَوۡءࣲ فَـٰسِقِینَ ﴿٧٤﴾ وَأَدۡخَلۡنَـٰهُ فِی رَحۡمَتِنَاۤۖ إِنَّهُۥ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ﴾ وقد قدَّمَه القرآن بالذكر لصِلَتِه بقصة إبراهيم
عليهما السلام.
ثانيًا: ذِكْرُ
نوح عليه السلام وكيف استجابَ الله له فنجَّاه ومَن معه، وأهلك قومه المعاندين المُكذِّبِين
﴿وَنُوحًا إِذۡ نَادَىٰ مِن قَبۡلُ فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَنَجَّیۡنَـٰهُ وَأَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلۡكَرۡبِ ٱلۡعَظِیمِ ﴿٧٦﴾ وَنَصَرۡنَـٰهُ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِینَ كَذَّبُواْ بِـَٔایَـٰتِنَاۤۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمَ سَوۡءࣲ فَأَغۡرَقۡنَـٰهُمۡ أَجۡمَعِینَ﴾.
ثالثًا: ذِكْرُ داود وابنه سليمان
عليهما السلاموكيف آتاهما الله المُلك وأسباب التمكين والقوة
﴿وَدَاوُۥدَ وَسُلَیۡمَـٰنَ إِذۡ یَحۡكُمَانِ فِی ٱلۡحَرۡثِ إِذۡ نَفَشَتۡ فِیهِ غَنَمُ ٱلۡقَوۡمِ وَكُنَّا لِحُكۡمِهِمۡ شَـٰهِدِینَ ﴿٧٨﴾ فَفَهَّمۡنَـٰهَا سُلَیۡمَـٰنَۚ وَكُلًّا ءَاتَیۡنَا حُكۡمࣰا وَعِلۡمࣰاۚ وَسَخَّرۡنَا مَعَ دَاوُۥدَ ٱلۡجِبَالَ یُسَبِّحۡنَ وَٱلطَّیۡرَۚ وَكُنَّا فَـٰعِلِینَ ﴿٧٩﴾ وَعَلَّمۡنَـٰهُ صَنۡعَةَ لَبُوسࣲ لَّكُمۡ لِتُحۡصِنَكُم مِّنۢ بَأۡسِكُمۡۖ فَهَلۡ أَنتُمۡ شَـٰكِرُونَ ﴿٨٠﴾ وَلِسُلَیۡمَـٰنَ ٱلرِّیحَ عَاصِفَةࣰ تَجۡرِی بِأَمۡرِهِۦۤ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِی بَـٰرَكۡنَا فِیهَاۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَیۡءٍ عَـٰلِمِینَ ﴿٨١﴾ وَلِسُلَیۡمَـٰنَ ٱلرِّیحَ عَاصِفَةࣰ تَجۡرِی بِأَمۡرِهِۦۤ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِی بَـٰرَكۡنَا فِیهَاۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَیۡءٍ عَـٰلِمِینَ﴾.
رابعًا: ذِكْرُ أيوب
عليه السلام وكيف كشَفَ الله عنه الضرَّ والمرض الذي أصابه بعد طول صبرٍ وتحمُّلٍ
﴿۞ وَأَیُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥۤ أَنِّی مَسَّنِیَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّ ٰحِمِینَ ﴿٨٣﴾ فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَكَشَفۡنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرࣲّۖ وَءَاتَیۡنَـٰهُ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةࣰ مِّنۡ عِندِنَا وَذِكۡرَىٰ لِلۡعَـٰبِدِینَ﴾.
خامسًا: ذِكْرُ إسماعيل وإدريس وذي الكفل ونَعتُهم بالصبر والصلاح
﴿وَإِسۡمَـٰعِیلَ وَإِدۡرِیسَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ كُلࣱّ مِّنَ ٱلصَّـٰبِرِینَ ﴿٨٥﴾ وَأَدۡخَلۡنَـٰهُمۡ فِی رَحۡمَتِنَاۤۖ إِنَّهُم مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ﴾.
سادسًا: ذِكْرُ يونس
عليه السلام ومحنته القاسية والفريدة في بطن الحوت وفي ظُلمات الليل والبحر
﴿وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَـٰضِبࣰا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقۡدِرَ عَلَیۡهِ فَنَادَىٰ فِی ٱلظُّلُمَـٰتِ أَن لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّاۤ أَنتَ سُبۡحَـٰنَكَ إِنِّی كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ﴿٨٧﴾ وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَـٰضِبࣰا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقۡدِرَ عَلَیۡهِ فَنَادَىٰ فِی ٱلظُّلُمَـٰتِ أَن لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّاۤ أَنتَ سُبۡحَـٰنَكَ إِنِّی كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾.
سابعًا: ذِكْرُ زكريا وابنه يحيى
عليهما السلام الذي وهَبَه الله له على كِبَر سِنِّهِ
﴿وَزَكَرِیَّاۤ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥ رَبِّ لَا تَذَرۡنِی فَرۡدࣰا وَأَنتَ خَیۡرُ ٱلۡوَ ٰرِثِینَ ﴿٨٩﴾ فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَوَهَبۡنَا لَهُۥ یَحۡیَىٰ وَأَصۡلَحۡنَا لَهُۥ زَوۡجَهُۥۤۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ یُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡخَیۡرَ ٰتِ وَیَدۡعُونَنَا رَغَبࣰا وَرَهَبࣰاۖ وَكَانُواْ لَنَا خَـٰشِعِینَ﴾.
ثامنًا: ذِكْرُ مريم وابنها المسيح
عليهما السلام وقصة خلقه المعجزة
﴿وَٱلَّتِیۤ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِیهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلۡنَـٰهَا وَٱبۡنَهَاۤ ءَایَةࣰ لِّلۡعَـٰلَمِینَ ﴿٩١﴾ إِنَّ هَـٰذِهِۦۤ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ﴾.
تاسعًا: بعد كلِّ هذا ذَكَرَ القرآن الحكمة الجوهرية مِن ذِكْرِ هؤلاء الأنبياء في مقطعٍ واحدٍ
﴿إِنَّ هَـٰذِهِۦۤ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ﴾، فهؤلاء الصفوة الكرام مع ما يُمثِّلونه مِن أسوةٍ حسنة، ومثالٍ يُحتَذَى به في كلِّ ما يعرض للإنسان المؤمن في حياته المتنوعة، هم كذلك يُمثِّلون المعالم المكوِّنة لشخصيَّة الأمة الواحدة التي تستَعلِي على كلِّ الحدود والفواصل المكانيَّة والزمانيَّة، والعنصريَّة والطبقيَّة، وبالتالي فإنَّ أيَّ مفهومٍ للأمة يخرج عن هذا الإطار هو من الولاءات المُحرَّمة التي تُصادِم صريحَ القرآن.
أما الولاءات الأخرى التي تستند إلى واقع سياسي كمفهوم (الدولة)، أو اجتماعي كمفهوم (القبيلة) فهذه ينبغي أن تدور كلُّها في دائرة المفهوم الواسع للأمة، أما إذا خرجت عنها وتنكَّرَت لها، فهي كذلك من الولاءات العصبيَّة المُحرَّمة.