﴿یُولِجُ ٱلَّیۡلَ فِی ٱلنَّهَارِ وَیُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِی ٱلَّیۡلِ﴾ يدخل الليل على النهار بانسحاب ضوء الشمس حتى يختلط فيه بعض الوقت، ثم يدخل النهار على الليل بشروقها فيختلط فيه أيضًا بعض الوقت، في حركةٍ متواصلةٍ ومستمرةٍ لتؤدِّي وظيفة لا يُتصوَّر استمرار الحياة بدونها، والإنسان يشاهد هذا كلّ يومٍ ويحسب به أيامه وأسابيعه وشهوره وسنيَّه وعقوده وقرونه، ألا يدعوه هذا ليتفكَّر؛ ما سرُّ هذه الدورة الفلكيَّة اليوميَّة، وما مناسبتها لحياة الإنسان، ومَن الذي سخَّرها بهذا النظام الدقيق؟
﴿وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡعَلِیُّ ٱلۡكَبِیرُ﴾ ـ، فكلُّ كبيرٍ دونه صغير، وكلُّ عالٍ دونه ذليل.
﴿أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ﴾ من السحاب الذي هو فوقنا، والعرب تُسمِّي كلَّ فوقٍ سماء.
﴿وَیُمۡسِكُ ٱلسَّمَاۤءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ﴾ بالنظام الكوني وحركة الأفلاك، وانجذابها لبعضها في ذلك الميزان الدقيق الذي لا يَقدر على صنعه إلا ربُّ السماوات والأرض سبحانه.
﴿لِّكُلِّ أُمَّةࣲ جَعَلۡنَا مَنسَكًا هُمۡ نَاسِكُوهُۖ﴾ من الأمم السابقة، كما جعلنا لكم منسكًا، وقد تقدَّم نحوه قريبًا.
﴿فَلَا یُنَـٰزِعُنَّكَ فِی ٱلۡأَمۡرِۚ﴾ ظاهر النهي مُوجَّه للمُشركين أن لا يُنازعوا رسولَ الله
ﷺ فيما لا يعلَمُونه مِن أمر الوحي، والمقصود عدم الانشغال بمُنازعتهم ومُجادلتهم، والله أعلم.
﴿یَكَادُونَ یَسۡطُونَ بِٱلَّذِینَ یَتۡلُونَ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِنَاۗ ﯽ﴾ أي: يبطِشُون بهم؛ لشدَّة عِنادهم وكراهيتهم للحقِّ.
﴿أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرࣲّ مِّن ذَ ٰلِكُمُۚ ٱلنَّارُ﴾ أي: بِشَرٍّ مما تجِدُونه في صدوركم من غِلٍّ وكراهيةٍ.
﴿وَإِن یَسۡلُبۡهُمُ ٱلذُّبَابُ شَیۡـࣰٔا لَّا یَسۡتَنقِذُوهُ مِنۡهُۚ﴾ بمعنى أنَّ هذه الأصنام ليست عاجزةً فقط عن خلق الذباب، بل لو أن الذباب سلَبَها شيئًا مما عليها مهما كان صغيرًا، فإنها عاجزة عن مُلاحقته واسترداده منه، فكيف تكون هذه آلهة؟
﴿یَــٰۤـأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُواْ ٱرۡكَعُواْ وَٱسۡجُدُواْ وَٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمۡ وَٱفۡعَلُواْ ٱلۡخَیۡرَ﴾ انظر كيف جعل الركوع والسجود والعبادة مِفتاحًا ومدخلًا لعمل الخير المطلق، وهذه هي العبادة التي يريدُها الإسلام، بخلاف صور التعبُّد المُشوَّه الذي يُبعِدُ صاحبَه عن هذا الخير، ويقتَرِن بالشُّحِّ والأثَرَة وكراهية الآخرين؟
﴿وَجَـٰهِدُواْ فِی ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦۚ﴾ الجهاد الذي يُريده هو سبحانه، لا جهاد الشهوة والعصبيَّة والعبث والانتقام.
﴿مِّلَّةَ أَبِیكُمۡ إِبۡرَ ٰهِیمَۚ هُوَ سَمَّىٰكُمُ ٱلۡمُسۡلِمِینَ﴾ الأقرب في السياق أنَّ إبراهيم
عليه السلام هو الذي سمَّانا المسلمين، وفي القرآن أكثر من قرينة تؤكِّد هذا المعنى؛ كقوله تعالى على لسان إبراهيم وإسماعيل
عليهما السلام:
﴿رَبَّنَا وَٱجۡعَلۡنَا مُسۡلِمَیۡنِ لَكَ وَمِن ذُرِّیَّتِنَاۤ أُمَّةࣰ مُّسۡلِمَةࣰ لَّكَ﴾ [البقرة: 128].
ولا يمنع أيضًا أنَّ الله هو الذي سمَّانا المسلمين؛ استجابةً لدعاء أبينا إبراهيم، والجدل في عَود الضمير
﴿هُوَ﴾ إلى الله، أو إلى إبراهيم جدلٌ لا يُثمِر عملًا، ولا ينبَنِي عليه خلاف، وأما الاستناد إلى قوله:
﴿وَفِی هَـٰذَا﴾ بمعنى: هذا القرآن، فيكون هذا صارِفًا للضمير عن العَود إلى إبراهيم (وهو الأصلُ في عود الضمير؛ لأنه أقرب مذكور)؛ لأنه
عليه السلام لم يُسمِّنا في القرآن، فهو استنادٌ لا يخلو من ضعفٍ؛ إذ يمكن تقدير الكلام على هذا المعنى أنَّ إبراهيم هو الذي سمَّانا المسلمين مِن قبل، وفي القرآن هو اسمنا كذلك، مع أنَّ الذي يظهر من السياق أنَّ قوله:
﴿ﯜ ﯝ﴾ أي: في هذا الذي ذُكر مِن الاجتباء، ورفع الحرج، والانتساب إلى إبراهيم مِن أجل أنْ نكون شُهداء على الناس بعد شهادة الرسول
ﷺ علينا.
ويُشكل أيضًا على التأويل الأول: عطف محل التسمية الحاضر على زمن التسمية السابق، وكان الأنسَب عطف المحل على المحل، كأن يقول مثلًا: سمَّاكم في التوراة، وفي القرآن، أو عطف الزمان على الزمان، كأن يقول: سمَّاكم مِن قبل، وسمَّاكم مِن بعد، والله أعلم وأحكم وأرحم، وهو يعفو عنَّا إنْ زلَلنا أو أخطَأنا.
﴿لِیَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِیدًا عَلَیۡكُمۡ﴾ لأنَّه هو الذي بلَّغَكم هذه الرسالة، وأدَّى أمانته فيكم كما حملها عن ربِّه.
﴿وَتَكُونُواْ شُهَدَاۤءَ عَلَى ٱلنَّاسِۚ﴾ لأنَّكم المُكلَّفُون بحمل هذه الرسالة بعده
ﷺ، وأنتم خاتمة الأمم، وتشهَدُون على اعتِدالهم أو انحرافهم عن قِيَم الدين، ومِن ذلك شهادتكم على تحريف المُحرِّفِين، وصدِّ الصادِّين، ومكر الماكرين، وهذه مسؤوليَّة كبيرة تتطلب قدرًا كبيرًا من الوعي والمتابعة، وهي مسؤوليَّة دنيويَّة أيضًا؛ فهذا الشهود ينبغي أن تكون له آثاره في تنمية الوعي، وحسِّ المراقبة والمراجعة، والقدرة على الإصلاح، والاستفادة مِن تجارب الآخرين؛ ولذلك جاءت موصولة مع قِيَم
الإخلاص والجهاد والوحدة والاعتصام، وأول شرائط الشهود: العدل، ولا عدل إلا بالعلم والخُلُق الكريم، والله المعين.