هذا أمرٌ منه تعالى لرسلِهِ بأكل الطيِّبات التي هي: الرزق والطيِّبُ الحلال، والشكر للَّه بالعمل الصالح الذي به يَصْلُحُ القلب والبدن والدنيا والآخرة، ويخبِرُهم أنَّه بما يعملون عليم؛ فكلُّ عمل عملوه وكلُّ سعي اكتسبوه؛ فإنَّ الله يعلمه، وسيجازيهم عليه أتمَّ الجزاء وأفضلَه، فدلَّ هذا على أنَّ الرسل كلَّهم متفقون على إباحة الطيبات من المآكل وتحريم الخبائثِ منها، وأنَّهم متَّفقون على كلِّ عمل صالح، وإنْ تنوَّعت بعضُ أجناس المأموراتِ واختلفتْ بها الشرائعُ؛ فإنَّها كلَّها عملٌ صالح، ولكنْ تتفاوت بتفاوتِ الأزمنة. ولهذا؛ الأعمال الصالحة التي هي صلاحٌ في جميع الأزمنة قد اتَّفقت عليها الأنبياء والشرائع؛ كالأمر بتوحيد الله وإخلاص الدِّين له ومحبَّته وخوفِهِ ورجائِهِ والبرِّ والصدقِ والوفاءِ بالعهد وصلةِ الأرحام وبرِّ الوالدين والإحسان إلى الضعفاء والمساكين واليتامى والحنوِّ والإحسان إلى الخلق ونحو ذلك من الأعمال الصالحة، ولهذا كان أهل العلم والكُتُب السابقة والعقل حين بَعَثَ الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - يستدلُّون على نبوَّته بأجناس ما يأمر به وينهى عنه؛ كما جرى لِهرَقْل وغيره؛ فإنَّه إذا أمر بما أمر به الأنبياءُ الذين من قبلِهِ ونهى عما نَهَوْا عنه؛ دلَّ على أنَّه من جنسهم؛ بخلاف الكذَّاب؛ فلا بدَّ أن يأمرَ بالشرِّ وينهى عن الخير.