فإنْ قيلَ: لِمَ لم يكنِ الحقُّ موافقاً لأهوائهم؛ لأجْل أن يؤمنوا أو يُسْرِعوا الانقيادَ؟ أجاب تعالى بقوله: {ولوِ اتَّبَعَ الحقُّ أهواءهم لَفَسَدَتِ السمواتُ والأرضُ}: ووجهُ ذلك أنَّ أهواءهم متعلِّقة بالظُّلم والكفر والفسادِ من الأخلاق والأعمال؛ فلو اتَّبع الحقُّ أهواءهم؛ لفسدتِ السماواتُ والأرضُ؛ لفساد التصرُّف والتدبير المبنيِّ على الظُّلم وعدم العدل؛ فالسماواتُ والأرض ما استقامتا إلاَّ بالحقِّ والعدل. {بل أَتيْناهم بذِكْرِهِم}؛ أي: بهذا القرآن المذكِّر لهم بكل خيرٍ، الذي به فخرُهُم وشرفُهم حين يقومون به ويكونون به سادةَ الناس. {فهم عن ذِكْرِهِم مُعْرِضون}: شقاوةً منهم وعدمَ توفيق؛ {نَسُوا الله فَنَسِيَهم}، {نَسُوا الله فأنساهم أنفُسَهم}؛ فالقرآن ومَنْ جاء به أعظمُ نعمةٍ ساقها الله إليهم، فلم يقابلوها إلا بالردِّ والإعراض؛ فهل بعد هذا الحرمان حرمانٌ؟! وهل يكون وراءَه إلاَّ نهايةُ الخسران؟!