سورة المؤمنون تفسير مجالس النور الآية 1

قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ﴿١﴾

تفسير مجالس النور سورة المؤمنون

المجلس الثامن والأربعون بعد المائة: صفات المؤمنين


من الآية (1- 22)


يتناول المحور الأول من هذه السورة المباركة صفات المؤمنين، ومنه جاء اسم السورة، وهي صفات تجمع بين مجموعة من القيم والعبادات والأخلاق؛ لتكوِّن الصورة التي ينبغي أن تكون عليها شخصية المؤمن، وتتلخص في الآتي:
أولًا: الخشوع في الصلاة ﴿ٱلَّذِینَ هُمۡ فِی صَلَاتِهِمۡ خَـٰشِعُونَ﴾ فهم لا يُؤدُّون الصلاة بجوارحهم وألسنتهم فقط، وإنَّما تُصلِّي قلوبُهم لله قبل أجسادهم، هذه الصلاة التي هي الصلة الحقَّة بين العبد وخالقه، وهي التي تُثمِر تهذيب النفس، وتحسين السلوك.
ثانيًا: الإعراض عن اللغو ﴿وَٱلَّذِینَ هُمۡ عَنِ ٱللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ﴾ اللغو المباح فضلًا عن اللغو الآثم؛ لأن شعورهم بالمسؤوليَّة الذاتيَّة، وقيمة الحياة التي يعيشونها، وقيمة أوقاتهم لا تسمح لهم بالانخراط في مجالات اللغو واللهو والعبث، مع ما في اللغو خاصَّةً من تكدير القلوب، وتعميق الفجوات، وإثارة النزعات، مما لا يتوافق مع رسالة المؤمن الصادق في هذه الأرض.
ثالثًا: أداء الزكاة ﴿وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِلزَّكَوٰةِ فَـٰعِلُونَ﴾ لتهذيب النفس أولًا من الشُحِِّ والجشعِ والطمعِ، ثم غرس روح المحبة والتعاون بين أفراد المجتمع، وتطهيره من نزعات الحسد والغل، والتقاطع والتدابر.
رابعًا: العفة والطهر والحياء ﴿وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَـٰفِظُونَ ﭪإِلَّا عَلَىٰۤ أَزۡوَ ٰ⁠جِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَیۡرُ مَلُومِینَ ﴿٦﴾ فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَاۤءَ ذَ ٰ⁠لِكَ فَأُوْلَــٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ﴾ فالمؤمنون يسعَون لإنشاء مجتمعٍ نظيفٍ خالٍ من الرذيلة، يعرف كلُّ فردٍ فيه مَن أمه، ومَن أبوه، ومَن أعمامه، ومَن أخواله، لا تختلط فيه الأنساب، ولا تتقطَّع فيه الأرحام.
خامسًا: حفظ الأمانة والعهد ﴿وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِأَمَـٰنَـٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَ ٰ⁠عُونَ﴾ وهذه قيمة حاكمة لكلِّ مجالات الحياة، فبين الحاكم والمحكوم عهد وأمانة، وبين المعلِّم والمتعلِّم عهد وأمانة، وبين الرجل وأهل بيته عهد وأمانة، وبين الشريك وشريكه عهد وأمانة، وبين الدول والمجتمعات والمؤسسات عهود وأمانات، وواجب المؤمن أينما كان وفي أيِّ مجال وُضِع أن يؤدِّي هذه الأمانة، ويرعى ذلك العهد ولو مع كافر أو مُحارب.
سادسًا: الاستقامة ﴿وَٱلَّذِینَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَوَ ٰ⁠تِهِمۡ یُحَافِظُونَ﴾ أي: يحفظون صلاتهم بعد تأديتها، فلا يضيِّعونها بالخروج عن كلِّ تلك الصفات والشروط المطلوبة من المؤمن ولو واحدة منها؛ فمن خان العهد، أو ضَيَّع الأمانة، أو اخترق العفَّة، أو منع حقَّ الفقراء، أو أضاع حياته باللغو والعبث، فقد ضَيَّع صلاته.
سابعًا: أشار القرآن في خاتمة هذه الصفات إلى الأصل الذي يُؤسِّس هذه الصفات ويُرسِّخها ويُنمِّيها، ألا وهو الإيمان؛ الإيمان بالله الخالق العظيم، والإيمان بعقيدة البعث والحساب والجزاء ﴿وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ مِن سُلَـٰلَةࣲ مِّن طِینࣲ ﴿١٢﴾ ثُمَّ جَعَلۡنَـٰهُ نُطۡفَةࣰ فِی قَرَارࣲ مَّكِینࣲ ﴿١٣﴾ ثُمَّ خَلَقۡنَا ٱلنُّطۡفَةَ عَلَقَةࣰ فَخَلَقۡنَا ٱلۡعَلَقَةَ مُضۡغَةࣰ فَخَلَقۡنَا ٱلۡمُضۡغَةَ عِظَـٰمࣰا فَكَسَوۡنَا ٱلۡعِظَـٰمَ لَحۡمࣰا ثُمَّ أَنشَأۡنَـٰهُ خَلۡقًا ءَاخَرَۚ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ٱلۡخَـٰلِقِینَ ﴿١٤﴾ ثُمَّ إِنَّكُم بَعۡدَ ذَ ٰ⁠لِكَ لَمَیِّتُونَ ﴿١٥﴾ ثُمَّ إِنَّكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ تُبۡعَثُونَ﴾، ثم جاءت الآيات الأخرى في هذا المقطع لتذكِّر بآلاء الله ونعمائه؛ تثبيتًا لهذا الإيمان، وتعميقًا لآثاره المنشُودة في النفس والحياة.
ثامنًا: مع هذه الصفات جاء تأكيد العاقبة التي تنتظر هؤلاء المؤمنين ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ﴾ وهذه نتيجة مطلقة وشاملة لكلِّ مفردات الفلاح الدنيوية والأخروية، ثم خصَّ الأخروية بمزيدٍ مِن التوضيح والتأكيد ﴿أُوْلَــٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡوَ ٰ⁠رِثُونَ ﴿١٠﴾ ٱلَّذِینَ یَرِثُونَ ٱلۡفِرۡدَوۡسَ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ﴾.


﴿ٱللَّغۡوِ﴾ الكلام الباطل الذي لا فائدة له.
﴿فَأُوْلَــٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ﴾ المعتدون المجاوزون للحقِّ.
﴿لِأَمَـٰنَـٰتِهِمۡ﴾ كلّ ما يؤتمنون عليه من أموالٍ، وأسرارٍ، ومعلوماتٍ، وعلاقاتٍ، ومسؤوليَّاتٍ.
﴿مِن سُلَـٰلَةࣲ مِّن طِینࣲ﴾ أصل خلق الإنسان؛ حيث خلق آدم من مادة مسلولة ومأخوذة من الطين.
﴿ثُمَّ جَعَلۡنَـٰهُ نُطۡفَةࣰ فِی قَرَارࣲ مَّكِینࣲ﴾ طريقة التكاثر عن طريق النُّطَف وتلقيحها في الرَّحِم الذي يوفّر له ظروف الاستقرار والحياة والنمو.
﴿ثُمَّ خَلَقۡنَا ٱلنُّطۡفَةَ عَلَقَةࣰ فَخَلَقۡنَا ٱلۡعَلَقَةَ مُضۡغَةࣰ فَخَلَقۡنَا ٱلۡمُضۡغَةَ عِظَـٰمࣰا﴾ تقدَّم شرح هذه المراحل في الخلق في سورة الحج.
﴿فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ٱلۡخَـٰلِقِینَ﴾ وليس من خالقٍ على الحقيقة إلا الله؛ فما مِن صانِعٍ إلا والله صانِعُه، وما مِن خالقٍ إلا والله خالِقُه، وقد تحدَّى الله مَن يعبُدُون غيرَه ويدْعُون سِواه أن يخلقوا ذبابًا فعجزوا.
﴿سَبۡعَ طَرَاۤىِٕقَ﴾ سبع سماوات.
﴿فَأَسۡكَنَّـٰهُ فِی ٱلۡأَرۡضِۖ﴾ جعلناه - أي: الماء - مُستقرًّا فيها، فمِنه: الينابيع، والآبار، والأنهار.
﴿وَشَجَرَةࣰ تَخۡرُجُ مِن طُورِ سَیۡنَاۤءَ﴾ شجرة الزيتون.
﴿تَنۢبُتُ بِٱلدُّهۡنِ وَصِبۡغࣲ لِّلۡـَٔاكِلِینَ﴾ الزيت الذي يُدَّهنُ به تطبُّبًا، ويُتَّخذ إدامًا.