سورة النور تفسير مجالس النور الآية 36

فِی بُیُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَیُذۡكَرَ فِیهَا ٱسۡمُهُۥ یُسَبِّحُ لَهُۥ فِیهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡـَٔاصَالِ ﴿٣٦﴾

تفسير مجالس النور سورة النور

المجلس الرابع والخمسون بعد المائة: مجتمع النور


من الآية (34- 57)


بعد تنقية المجتمع من آثار الإشاعات المنكرة والسلوك المشين، وحمايته من الانحراف ومُسبِّباته، شرَعَ القرآن في بيان الأسس التي ينبني عليها هذا المجتمع، وملامحه وخصائصه التي تُميِّزه عن المجتمعات الأخرى:
أولًا: إنَّه مجتمعٌ موصولٌ بالله، ومنوَّر بنور الله الذي هو مصدر هذا الوجود، ومنشئ الحياة فيه، وهادِيه إلى أحسن الخلق وأعدل النظام ﴿۞ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۚ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشۡكَوٰةࣲ فِیهَا مِصۡبَاحٌۖ ٱلۡمِصۡبَاحُ فِی زُجَاجَةٍۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوۡكَبࣱ دُرِّیࣱّ یُوقَدُ مِن شَجَرَةࣲ مُّبَـٰرَكَةࣲ زَیۡتُونَةࣲ لَّا شَرۡقِیَّةࣲ وَلَا غَرۡبِیَّةࣲ یَكَادُ زَیۡتُهَا یُضِیۤءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَارࣱۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورࣲۚ یَهۡدِی ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ وَیَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَـٰلَ لِلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ﴾.
ثانيًا: إنَّه مجتمع المساجد التي يلتقي فيها المسلمون على نور الله ومحبته وذكره وشكره، إخوةً مُتحابِّين مُتعاوِنين مُتكافِلِين﴿فِی بُیُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَیُذۡكَرَ فِیهَا ٱسۡمُهُۥ یُسَبِّحُ لَهُۥ فِیهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡـَٔاصَالِ ﴿٣٦﴾ رِجَالࣱ لَّا تُلۡهِیهِمۡ تِجَـٰرَةࣱ وَلَا بَیۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِیتَاۤءِ ٱلزَّكَوٰةِ یَخَافُونَ یَوۡمࣰا تَتَقَلَّبُ فِیهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَـٰرُ﴾.
ثالثًا: إنَّه مجتمع الاستقامة والثبات على طاعة الله، والاحتكام إلى شرعه وسنَّة نبيِّه ﴿لَّقَدۡ أَنزَلۡنَاۤ ءَایَـٰتࣲ مُّبَیِّنَـٰتࣲۚ وَٱللَّهُ یَهۡدِی مَن یَشَاۤءُ إِلَىٰ صِرَ ٰ⁠طࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ﴾، ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوۡلَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ إِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِیَحۡكُمَ بَیۡنَهُمۡ أَن یَقُولُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۚ وَأُوْلَــٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ﴿٥١﴾ وَمَن یُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَیَخۡشَ ٱللَّهَ وَیَتَّقۡهِ فَأُوْلَــٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَاۤىِٕزُونَ﴾، ﴿وَأَقِیمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِیعُواْ ٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ﴾.
رابعًا: إنَّه المجتمع المنسجم مع حركة هذا الكون ونظامه العام، وسُنن الله وآياته المبثوثة في كلِّ جانبٍ مِن جوانبه، وفي كلِّ زاويةٍ مِن زواياه ﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ یُسَبِّحُ لَهُۥ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلطَّیۡرُ صَـٰۤفَّـٰتࣲۖ كُلࣱّ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسۡبِیحَهُۥۗ وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِمَا یَفۡعَلُونَ ﴿٤١﴾ وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِیرُ ﴿٤٢﴾ أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ یُزۡجِی سَحَابࣰا ثُمَّ یُؤَلِّفُ بَیۡنَهُۥ ثُمَّ یَجۡعَلُهُۥ رُكَامࣰا فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ یَخۡرُجُ مِنۡ خِلَـٰلِهِۦ وَیُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مِن جِبَالࣲ فِیهَا مِنۢ بَرَدࣲ فَیُصِیبُ بِهِۦ مَن یَشَاۤءُ وَیَصۡرِفُهُۥ عَن مَّن یَشَاۤءُۖ یَكَادُ سَنَا بَرۡقِهِۦ یَذۡهَبُ بِٱلۡأَبۡصَـٰرِ ﴿٤٣﴾ یُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱلَّیۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَعِبۡرَةࣰ لِّأُوْلِی ٱلۡأَبۡصَـٰرِ﴾.
خامسًا: إنَّه المجتمع الموعود بنصر الله وتمكينه، وحفظ أمنه واستقراره ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَیَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَیُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِینَهُمُ ٱلَّذِی ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَیُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنࣰاۚ یَعۡبُدُونَنِی لَا یُشۡرِكُونَ بِی شَیۡـࣰٔاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَ ٰ⁠لِكَ فَأُوْلَــٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ﴾.
سادسًا: إنَّه المجتمع الموعود بالجنَّة والسعادة الأبديَّة ﴿لِیَجۡزِیَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُواْ وَیَزِیدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُ بِغَیۡرِ حِسَابࣲ﴾.
في مُقابل هذه الملامح والخصائص، يُشير القرآن في معرض المقارنة إلى تلك المجتمعات التي رفَضَت هذا النور، وتخبَّطَت في ظلام الجهل والجاهلية؛ ليظهر بذلك ميزة المجتمع المسلم عن غيره، أما ملامح تلك المجتمعات فتوضِّحها هذه الآيات كما يأتي:
أولًا: إنَّها مجتمعات تعيش في ظلماتٍ متراكمة ﴿أَوۡ كَظُلُمَـٰتࣲ فِی بَحۡرࣲ لُّجِّیࣲّ یَغۡشَىٰهُ مَوۡجࣱ مِّن فَوۡقِهِۦ مَوۡجࣱ مِّن فَوۡقِهِۦ سَحَابࣱۚ ظُلُمَـٰتُۢ بَعۡضُهَا فَوۡقَ بَعۡضٍ إِذَاۤ أَخۡرَجَ یَدَهُۥ لَمۡ یَكَدۡ یَرَىٰهَاۗ وَمَن لَّمۡ یَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورࣰا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ﴾ وهذه الظلمات المتراكمة إنَّما هي ظلمات الجهل والظلم والشرك التي تجتمع حولهم، وفي صدورهم؛ فتُعميهم وتُصمّهم عن النور الذي أودَعَه الله في هذا الكون نظامًا دالًّا على وحدانيَّته، وتشريعًا دالًّا على كمال ألوهيَّته، وحكمته ورحمته.
ثانيًا: إنَّها مجتمعاتٌ ترفض الانصياع للحقِّ إلا إذا كان يُحقِّقُ لها بعضَ المصالح الآنيَّة، وهذا لا شكَّ مظهرٌ من مظاهر النفاق ﴿وَإِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِیَحۡكُمَ بَیۡنَهُمۡ إِذَا فَرِیقࣱ مِّنۡهُم مُّعۡرِضُونَ ﴿٤٨﴾ وَإِن یَكُن لَّهُمُ ٱلۡحَقُّ یَأۡتُوۤاْ إِلَیۡهِ مُذۡعِنِینَ﴾.
ثالثًا: إنَّها مجتمعات لا تعرف الله، ولا تُحسن الظنَّ به، بل هي في شكٍّ وقلقٍ واضطرابٍ دائمٍ ﴿أَفِی قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ٱرۡتَابُوۤاْ أَمۡ یَخَافُونَ أَن یَحِیفَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمۡ وَرَسُولُهُۥۚ بَلۡ أُوْلَــٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ﴾.
رابعًا: إنَّها مجتمعات لا تُقدِّرُ الكلمةَ، ولا تَفِي بوعدٍ ولا بعهدٍ، بل هي مُتقلِّبة بحسب مصالحها المستعجلة أو المتوهمة ﴿وَیَقُولُونَ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعۡنَا ثُمَّ یَتَوَلَّىٰ فَرِیقࣱ مِّنۡهُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَ ٰ⁠لِكَۚ وَمَاۤ أُوْلَــٰۤىِٕكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ﴾، ﴿۞ وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ لَىِٕنۡ أَمَرۡتَهُمۡ لَیَخۡرُجُنَّۖ قُل لَّا تُقۡسِمُواْۖ طَاعَةࣱ مَّعۡرُوفَةٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ﴾.
خامسًا: إنَّها مجتمعاتٌ ستلقَى جزاءَها، وتَجنِي في الآخرة ما زَرَعَتْه في دنياها ﴿وَٱلَّذِینَ كَفَرُوۤاْ أَعۡمَـٰلُهُمۡ كَسَرَابِۭ بِقِیعَةࣲ یَحۡسَبُهُ ٱلظَّمۡـَٔانُ مَاۤءً حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءَهُۥ لَمۡ یَجِدۡهُ شَیۡـࣰٔا وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُۥ فَوَفَّىٰهُ حِسَابَهُۥۗ وَٱللَّهُ سَرِیعُ ٱلۡحِسَابِ﴾، ﴿لَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُواْ مُعۡجِزِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ﴾.


﴿۞ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۚ﴾ النور ضد الظلمة حقيقةً ومجازًا، والله نور السماوات والأرض مُنوِّرهما بضياء النجوم والكواكب، ومُنوِّر الخلق فيهما بنور هَديه ووَحيه، بل وكلُّ مخلوقٍ إنَّما خرج بنور الله مِن ظلمة العدم إلى نور الوجود.
والنور أيضًا: العلم؛ إذ تُقابله ظلمةُ الجهل، والله مصدرُ كلِّ علمٍ ومعرفةٍ، وهو الخالقُ لهذه العقول التي تنكَشِف لها معارِفُ الكون وخباياه.
﴿مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشۡكَوٰةࣲ فِیهَا مِصۡبَاحٌۖ﴾ مَثَلُ نور الله وهَديِه في قلب المؤمن مِثْل المصباح الذي يجتمع ضوءُه في كوَّة غير نافذةٍ في الجدار، فقلبُ المؤمن الكوَّة التي يجتمع فيها الضوءُ، ونورُ الله المصباح الذي هو مصدر الضوء.
﴿ٱلۡمِصۡبَاحُ فِی زُجَاجَةٍۖ﴾ تشبيهٌ للحفظ ومُضاعفة الضوء؛ إذ الزجاجة تحفظ المصباح وتزيد من إشراقه وسطوعه.
﴿ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوۡكَبࣱ دُرِّیࣱّ﴾ ساطعٌ بنوره، وَسَامٍ بعلوِّه ورفعته.
﴿یُوقَدُ مِن شَجَرَةࣲ مُّبَـٰرَكَةࣲ زَیۡتُونَةࣲ لَّا شَرۡقِیَّةࣲ وَلَا غَرۡبِیَّةࣲ﴾ معناه أنَّ وقود هذا المصباح مِن زيت شجرةٍ مباركةٍ كثيرة الخير، مُعتدلة ليس فيها ما يَشِينها ويُقلِّل بركتها.
وقوله: ﴿لَّا شَرۡقِیَّةࣲ وَلَا غَرۡبِیَّةࣲ﴾ لتأكيد اعتدالها، وليس لتحديد مكانها أو جهتها، كما تقول: فلان مستقيم لا يميل يمنةً ولا يسرةً، وهو المعنى المراد أصلًا مِن التشبيه؛ فالمؤمن معتدلٌ بلا بخل ولا إسراف، ولا جُبن ولا تهوُّر، ولا تهاوُن ولا تنطُّع، وهكذا.
﴿یَكَادُ زَیۡتُهَا یُضِیۤءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَارࣱۚ﴾ لفَرط صفائِه ونقائه.
﴿یَهۡدِی ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ﴾ تأكيدٌ للمُراد مِن التشبيه؛ أنَّه نور الوحي والهداية والاستقامة، ثم أكَّده بقوله: ﴿وَیَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَـٰلَ لِلنَّاسِۗ﴾.
﴿فِی بُیُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَیُذۡكَرَ فِیهَا ٱسۡمُهُۥ﴾ هي المساجد التي يجتمع فيها المؤمنون على نور الله وهَديه، ومنها يشِعُّ هذا النور وذلك الهَدي إلى بقاع الأرض.
وقد أشكل على بعض المُفسِّرين مُتعلَّقُ الجار والمجرور، والأظهر أنَّه مُتعلق بالمشبَّه وليس بالمشبَّه به، أي: بهَدي الله ونوره، وليس بالزيت والمصباح؛ إذ لم تكن في مساجد المسلمين آنذاك مثل تلك المصابيح، ومعنى تُرْفَع: تُبْنَى حتى يظهر بناؤها، ويُعرف عند الناس.
﴿بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡـَٔاصَالِ﴾ في بداية النهار ونهايته.
﴿رِجَالࣱ لَّا تُلۡهِیهِمۡ تِجَـٰرَةࣱ وَلَا بَیۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ﴾ فهم يتَّجِرون ويبيعون كسائر الناس، لكنهم لا ينشغلون بأعمالهم هذه عن واجباتهم الدينيَّة؛ كالصلاة، والزكاة.
وخصَّ الرجال؛ لوجوب الجمعة عليهم، وحثِّهم على الجماعات، بخلاف النساء المخيَّرات في ذلك.
﴿یَخَافُونَ یَوۡمࣰا تَتَقَلَّبُ فِیهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَـٰرُ﴾ كنايةً عن القلق والخوف وشدَّة الاضطراب.
﴿وَیَزِیدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦۗ﴾ فوق ما وعدهم الله به من الحسنات، وهذا مِن كرم الله الذي ليس له حد.
﴿أَعۡمَـٰلُهُمۡ كَسَرَابِۭ بِقِیعَةࣲ﴾ أعمال الكافرين تكون في ذلك اليوم كالسراب الذي يظهر في القاع المستوية، ولا حقيقة له، ولا جدوى منه.
﴿فِی بَحۡرࣲ لُّجِّیࣲّ﴾ عميق.
﴿یَغۡشَىٰهُ مَوۡجࣱ مِّن فَوۡقِهِۦ مَوۡجࣱ مِّن فَوۡقِهِۦ سَحَابࣱۚ﴾ حيث يتراكم الموج ويركب بعضه بعضًا لتشتدَّ ظلمة قاع البحر، فكيف إذا تلبَّدَت الغيوم فوق ذلك، وحجبت أشعة الشمس؟
﴿ظُلُمَـٰتُۢ بَعۡضُهَا فَوۡقَ بَعۡضٍ﴾ صورة مركَّبة للمُشبَّه به، تُقابِل صورةَ المُشبَّه، وهو هنا: التِّيه والضلال الذي يغرق فيه هؤلاء الكافرون والمنافقون .
﴿وَٱلطَّیۡرُ صَـٰۤفَّـٰتࣲۖ﴾ باسطات أجنحتها وهي تُحلِّقُ في جوّ السماء.
﴿كُلࣱّ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسۡبِیحَهُۥۗ﴾ أي: كلُّ مخلوقٍ يعلم طريقتَه في الصلاة والتسبيح، فالعقلاء يُصلُّون لله ويُسبِّحونه الصلاةَ والتسبيحَ التكليفيَّيْن برجاء الثواب والغفران، وغيرهم يخضع الخضوع القدري، ويدل على وحدانية الله وعظمته وحكمته بهذا الخضوع والانسجام الكلي مع نواميس الكون.
﴿یُزۡجِی﴾ يسوق.
﴿فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ یَخۡرُجُ مِنۡ خِلَـٰلِهِۦ﴾ فترى المطر يخرج من خلال السُّحب المتراكمة.
﴿وَیُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مِن جِبَالࣲ فِیهَا مِنۢ بَرَدࣲ﴾ شبَّه الغيوم المتراكمة بالجبال، ولأنَّها في العلوِّ، فهي في السماء، وقوله: ﴿مِنۢ بَرَدࣲ﴾ أي: يُنزل بردًا، وليست هي وصفًا للجبال.
﴿فَیُصِیبُ بِهِۦ مَن یَشَاۤءُ﴾ أي: بالوَدْق والبَرَد، وهذا الظاهر، فالإصابة هنا بمعنى: الخير، ومَن قصَرَه على البَرَد حمل الإصابة على المكروه؛ لأنَّ البَرَد قد يُصيب الزرعَ بالضرر، والله أعلم.
﴿یَكَادُ سَنَا بَرۡقِهِۦ یَذۡهَبُ بِٱلۡأَبۡصَـٰرِ﴾ كناية عن شدَّته وسطوع ضوئه.
﴿وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَاۤبـَّةࣲ مِّن مَّاۤءࣲ ۖ﴾ فالماء أصلُ الحياة على هذه الأرض، ومنه تتكوَّن النُّطَف، ومنه تتكون الأجسام.
﴿فَمِنۡهُم مَّن یَمۡشِی عَلَىٰ بَطۡنِهِۦ﴾ كالزواحف والأفاعي.
﴿وَمِنۡهُم مَّن یَمۡشِی عَلَىٰ رِجۡلَیۡنِ﴾ كالإنسان والطير.
﴿وَمِنۡهُم مَّن یَمۡشِی عَلَىٰۤ أَرۡبَعࣲۚ﴾ عامة البهائم والسباع والأنعام.
﴿یَخۡلُقُ ٱللَّهُ مَا یَشَاۤءُۚ﴾ إشارة للأنواع الأخرى التي لم ينص عليها؛ كالحشرات التي تمشي على أكثر من أربع.
﴿ثُمَّ یَتَوَلَّىٰ فَرِیقࣱ مِّنۡهُم﴾ طريقة القرآن في تجنُّب التعميم في الحكم؛ تأكيدًا لمبدأ العدل حتى مع هؤلاء الكافرين والمنافقين.
﴿إِذَا فَرِیقࣱ مِّنۡهُم مُّعۡرِضُونَ﴾ عن حكم الله إذا رأوه ليس في صالحهم.
﴿وَإِن یَكُن لَّهُمُ ٱلۡحَقُّ یَأۡتُوۤاْ إِلَیۡهِ مُذۡعِنِینَ﴾ مُستَجِيبِين وخاضِعِين، وهذه مِن علامات النفاق؛ إذ إنَّهم لا يتحاكمون إلى الشرع إيمانًا به، بل طمعًا في حصول المنفعة الدنيوية إذا كان الحكم بجانبهم، وإن كانت الأخرى رفضوه وخالفوه.
﴿أَن یَحِیفَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمۡ﴾ أن يميل عليهم بظلمهم وأخذ حقِّهم، تعالى الله عن ذلك.
﴿إِنَّمَا كَانَ قَوۡلَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ إِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِیَحۡكُمَ بَیۡنَهُمۡ أَن یَقُولُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۚ﴾ نصّ في دخول التقاضي فيما يختلف فيه الناس من شؤون حياتهم في معنى الدين والإيمان، بخلاف ما يردده بعض المعاصرين المتأثرين بأفكار الغرب من قصر الدين على الشعائر التعبدية ونحوها.
﴿۞ وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ﴾ أي: حلفوا بالله أبلغ الحلف وآكده وأشده.
﴿لَىِٕنۡ أَمَرۡتَهُمۡ لَیَخۡرُجُنَّۖ﴾ للجهاد ونحوه طاعة لك.
﴿قُل لَّا تُقۡسِمُواْۖ طَاعَةࣱ مَّعۡرُوفَةٌۚ﴾ لا حاجة لهذا القسم ولا لتأكيده وإعادته، فطاعتكم معلوم لنا كذبها بحسب ما تكرر من سلوككم.
﴿فَإِنَّمَا عَلَیۡهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَیۡكُم مَّا حُمِّلۡتُمۡۖ﴾ أي: على النبيِّ البلاغ، فهذا ما كُلِّف به، وعليكم الطاعة، وهذا ما كُلِّفتم به.
﴿لَیَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ﴾ وعدٌ إلهيٌّ للنبيِّ وأصحابه ومَن اتبعه بالتمكين في الأرض، وجعلهم أئمة وسادة، وقد تحقَّق هذا بفتح مكة، ثم بالفتوحات التاريخيَّة الكبرى على يد الصحابة والتابعين لهم عليهم رضوانُ الله أجمعين، ثم ما كان مِن فتوحٍ عظيمةٍ أيام الأمويين والعباسيين والأيوبيين والعثمانيين، ولم تنتَكِس هذه الأمة إلا بعد أن نكَثَت عهدها مع ربِّها، وفلَّت حبلَ وحدتها، وآصِرة أخوَّتها.
﴿وَلَیُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِینَهُمُ ٱلَّذِی ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ﴾ فهو تمكينٌ للدين وقيمه ومبادئه، وليس تمكينًا تسلُّطيًّا استعلائيًّا لأشخاص مُعيَّنين، أو تغليبًا لقومٍ على قومٍ، وطبقةٍ على طبقةٍ، فالناس كلُّ الناس أمام الحقِّ سواء.
﴿وَلَیُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنࣰاۚ﴾ تأكيد لأهمية الأمن وضرورته لحياة الناس.
﴿مُعۡجِزِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ﴾ أي: لا يُعجِزُون الله، بل هو القادر عليهم أينما كانوا، وكيفما كانوا.