{الذي له مُلْكُ السمواتِ والأرضِ}؛ أي: له التصرُّف فيهما وحدَه، وجميع مَنْ فيهما مماليكُ وعبيدٌ له مذعِنون لعظمتِهِ خاضعون لربوبيَّتِهِ فقراءُ إلى رحمته، الذي {لم يَتَّخِذْ ولداً ولم يكن له شريكٌ في الملكِ}: وكيف يكونُ له ولدٌ أو شريكٌ؛ وهو المالكُ وغيرُه مملوكٌ، وهو القاهرُ وغيرُه مقهورٌ، وهو الغنيُّ بذاتِهِ من جميع الوجوه والمخلوقونَ مفتَقِرون إليه [فقراً ذاتياً] من جميع الوجوه؟! وكيف يكونُ له شريكٌ في الملك ونواصي العبادِ كلِّهم بيديهِ؛ فلا يتحرَّكون أو يسكُنون ولا يتصرَّفون إلاَّ بإذنِهِ؛ فتعالى الله عن ذلك علوًّا قديراً؛ فلم يَقْدِرْهُ حقَّ قَدْرِهِ مَنْ قال فيه ذلك، ولهذا قال: {وخَلَقَ كلَّ شيءٍ}: شمل العالم العلويَّ والعالم السفليَّ من حيواناتِهِ ونباتاتِهِ وجماداتِهِ، {فقدَّره تقديراً}؛ أي: أعطى كلَّ مخلوقٍ منها ما يَليقُ به ويناسبُه من الخلقِ وما تقتضيه حكمتُه من ذلك؛ بحيث صار كلُّ مخلوقٍ لا يَتَصَوَّرُ العقلُ الصحيحُ أن يكونَ بخلاف شكلِهِ وصورتِهِ المشاهَدَة، بل كلُّ جزءٍ وعضوٍ من المخلوق الواحد لا يناسبُه غير محلِّه الذي هو فيه؛ قال تعالى: {سبِّحِ اسمَ ربِّك الأعلى الذي خَلَقَ فسَوَّى. والذي قَدَّرَ فَهَدى}، وقال تعالى: {ربُّنا الذي أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَه ثم هَدى}. ولما بيَّن كمالَه وعظمتَه وكثرةَ إحسانِهِ؛ كان ذلك مقتضياً لأن يكونَ وحدَه المحبوبَ المألوه المعظَّم المفردَ بالإخلاص وحدَه لا شريك له؛ ناسبَ أن يذكُرَ بطلانَ عبادةِ ما سواه، فقال: