يُخبر تعالى عن عَظَمَةِ يوم القيامة وما فيه من الشدَّة والكُروب ومزعجات القلوب، فقال: {ويوم تَشَقَّقُ السماءُ بالغمام}: وذلك الغمام الذي ينزل الله فيه؛ ينزِلُ من فوق السماوات، فَتَنْفَطِرُ له السماواتُ وتشقَّق وتنزِلُ [ملائكةُ] كلِّ سماء، فيقفون صفًّا صفًّا، إمّا صفًّا واحداً محيطاً بالخلائق، وإمّا كلُّ سماء يكونون صفًّا، ثم السماء التي تليها صفًّا ، وهكذا القصدُ أنَّ الملائكةَ على كَثْرَتِهم وقوَّتِهم ينزلون محيطين بالخَلْق مذعِنين لأمرِ ربِّهم لا يتكلَّم منهم أحدٌ إلاَّ بإذن من الله؛ فما ظنُّك بالآدميِّ الضعيف، خصوصاً الذي بارز مالِكَه بالعظائم، وأقدم على مساخطِهِ، ثم قدم عليه بذُنوبٍ وخطايا لم يتبْ منها، فيحكُمُ فيه الملكُ الخلاَّقُ بالحكم الذي لا يجورُ ولا يظلمُ مثقالَ ذرَّةٍ، ولهذا قال: {وكان يوماً على الكافرين عسيراً}: لصعوبتِهِ الشَّديدة وتعسُّرِ أمورِهِ عليه؛ بخلاف المؤمن؛ فإنَّه يسيرٌ عليه خفيفُ الحمل: {ويَوْمَ نحشُرُ المتَّقينَ إلى الرحمن وفداً. ونَسوقُ المجْرِمين إلى جَهَنَّمَ ورْداً}. وقوله: {الملك يومئذٍ}؛ أي: يوم القيامةِ، {الحقُّ للرحمن}: لا يبقى لأحدٍ من المخلوقين مُلْكٌ ولا صورةُ مُلْكٍ؛ كما كانوا في الدنيا، بل قد تساوتِ الملوكُ ورعاياهم والأحرارُ والعبيدُ والأشرافُ وغيرهم. وممَّا يرتاحُ له القلبُ وتطمئنُّ به النفس وينشرحُ له الصدرُ أنَّه أضاف الملك في يوم القيامة لاسمِهِ الرحمن؛ الذي وسعتْ رحمتُهُ كلَّ شيءٍ، وعمَّت كلَّ حيٍّ، وملأتِ الكائناتِ، وعمرت بها الدُّنيا والآخرة، وتمَّ بها كلُّ ناقص، وزال بها كلُّ نقص، وغلبت الأسماءُ الدالَّةُ عليه الأسماءَ الدالَّة على الغضب، وسبقت رحمتُه غضَبَه وغلبتْه؛ فلها السبق والغلبة، وخَلَقَ هذا الآدميَّ الضعيف وشرَّفَه وكرَّمه لِيُتِمَّ عليه نعمته وليتغمَّدَه برحمته، وقد حضروا في موقف الذلِّ والخضوع والاستكانة بين يديه؛ ينتظرون ما يحكم فيهم وما يُجري عليهم، وهو أرحم بهم من أنفسهم ووالديهم؛ فما ظنُّك بما يعامِلُهم به، ولا يَهْلِكُ على الله إلاَّ هالكٌ، ولا يخرج من رحمتِهِ إلاَّ من غلبتْ عليه الشَّقاوة، وحقَّتْ عليه كلمةُ العذاب.