﴿۞ وَقَالَ ٱلَّذِینَ لَا یَرۡجُونَ لِقَاۤءَنَا لَوۡلَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡنَا ٱلۡمَلَــٰۤىِٕكَةُ أَوۡ نَرَىٰ رَبَّنَاۗ ﭞ﴾ طلب الرؤية بحدّ ذاته ليس منكرًا، فقد طلبها موسى
عليه السلام فقال:
﴿رَبِّ أَرِنِیۤ أَنظُرۡ إِلَیۡكَۚ﴾ [الأعراف: 143]، لكن هؤلاء يطلبونها ليس شوقًا لمعرفته سبحانه والإيمان به، وإنَّما استكبارًا وغرورًا مع قَدرٍ مِن السخرية والاستهزاء؛ ولذلك عقَّب القرآن عليهم:
﴿لَقَدِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ وَعَتَوۡ عُتُوࣰّا كَبِیرࣰا﴾.
ثم إنَّ رؤية الله أو نزول المَلَك ينقل عالمَ الغيب إلى عالمِ الشهادة، وحينها ينتهي معنى الاختبار والتمايُز بين البشر في الإيمان بالغيب.
والعتوُّ: هو الطغيان ومُجاوزة الحدّ.
﴿یَوۡمَ یَرَوۡنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةَ﴾ هو يوم القيامة، وفي ذلك اليوم لا تنفَع المشركين هذه الرؤية أبدًا
﴿لَا بُشۡرَىٰ یَوۡمَىِٕذࣲ لِّلۡمُجۡرِمِینَ وَیَقُولُونَ حِجۡرࣰا مَّحۡجُورࣰا﴾ بمعنى أنَّ الملائكة لا يُبشِّرون هؤلاء المشركين بالجنة، بل يقولون لهم: إنَّها محرَّمة عليهم أبدًا.
﴿وَقَدِمۡنَاۤ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنۡ عَمَلࣲ فَجَعَلۡنَـٰهُ هَبَاۤءࣰ مَّنثُورًا﴾ ذلك العمل الذي كانوا يظنُّون أنَّه النافع لهم وفق مقايِيسهم المغلوطة، ونحوه كلّ عملٍ لا يُقصد به وجه الله، ولو كان في ظاهره خيرًا، كالبذل والكرم؛ لأنَّهم عمِلُوه للدنيا، وقد نالوا مُبتغاهم فيها مِن سُمعةٍ وجاهٍ، دون تبخيسٍ أو تطفيفٍ.
والهباء: ما لا وزن له ولا قيمة مما تحمله الريح؛ كالغبار، و
الدخان.
﴿وَأَحۡسَنُ مَقِیلࣰا﴾ مكان القيلولة والراحة، وفيه صورةٌ للنعيم المقيم الذي ينعم به أهل الجنة.
﴿وَیَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَاۤءُ بِٱلۡغَمَـٰمِ وَنُزِّلَ ٱلۡمَلَــٰۤىِٕكَةُ تَنزِیلًا﴾ صورةٌ مِن صور يوم القيامة؛ حيث ينزل الملائكة بأمر الله ومعهم ظُلل من السحاب، وفيه ردٌّ على سؤال المشركين السابق بتنزيل الملائكة، كأنه يقول لهم: إنَّ الملائكة ستنزل في الوقت الذي لا ينفَعُكم ذاك النزول.
﴿وَیَوۡمَ یَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ یَدَیۡهِ﴾ صورةٌ بالِغةٌ في الندم والتحسُّر.
﴿یَقُولُ یَـٰلَیۡتَنِی ٱتَّخَذۡتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِیلࣰا﴾ يتمنَّى لو أنه اتخذ طريقًا يجمعه مع النبيِّ
ﷺ وهَديه ودعوته.
﴿یَـٰوَیۡلَتَىٰ﴾ كلمة تحسُّر وندامة.
﴿لَیۡتَنِی لَمۡ أَتَّخِذۡ فُلَانًا خَلِیلࣰا﴾ لم يُسمِّه؛ لأنَّ لكلِّ ضالٍّ فُلانه الذي أضلَّه وأبعَدَه عن طريق الحقِّ.
﴿وَقَالَ ٱلرَّسُولُ یَـٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِی ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورࣰا﴾ وهم المشركون الذين هجروا القرآن، بمعنى أنَّهم كفروا به ونأَوا عنه، أما المسلم العاصي والتارك لتلاوة القرآن وتدبُّره والعمل به، فقد يقَع في الهجر الجزئي الذي يستحقُّ عليه الإثم، وليس هو المقصود أصالةً بهذه الآية، والله أعلم.
﴿كَذَ ٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَۖ﴾ أي: لم ينزله الله جملة واحدة، وإنَّما أنزَلَه مُفرَّقًا بحسب النوازل والمستجدَّات، وحاجة الصفِّ المؤمن في مسيرته ومراحله المختلفة، ولا شكَّ أنَّ هذا أَدعَى لتثبيتهم على الحقِّ، ومدِّهم بأسباب المَنَعة والمقاومة.
﴿وَلَا یَأۡتُونَكَ بِمَثَلٍ﴾ بشُبهة على مثال الشُّبهات التي يُكرِّرها ويُعيدُها أهلُ الباطل في كلِّ زمانٍ ومكانٍ.
﴿وَأَحۡسَنَ تَفۡسِیرًا﴾ أحسن بيانًا.
﴿یُحۡشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ﴾ جزاءً مناسبًا لغرورهم واستكبارهم.
﴿وَجَعَلۡنَا مَعَهُۥۤ أَخَاهُ هَـٰرُونَ وَزِیرࣰا﴾ معاونًا ومناصرًا.
﴿وَجَعَلۡنَـٰهُمۡ لِلنَّاسِ ءَایَةࣰۖ﴾ عبرة.
﴿وَأَصۡحَـٰبَ ٱلرَّسِّ﴾ قومٌ مِن الأقوام الكافرة والمكذِّبة بدعوة الرسل، ولم يرِد في القرآن ولا في السنَّة الصحيحة ما يُبيِّن حالهم، فالأَولَى أخذ العِبرة العامة دون الجَزم بهويَّتهم، والله أعلم.
﴿وَكُلࣰّا ضَرَبۡنَا لَهُ ٱلۡأَمۡثَـٰلَۖ﴾ لعلَّهم يتَّعِظون بأحوال من قبلهم من الأمم الغابرة.
﴿وَكُلࣰّا تَبَّرۡنَا تَتۡبِیرࣰا﴾ دمرناهم تدميرًا بسبب ظلمهم وعنادهم وتكذيبهم لأنبيائهم بعد إقامة الحجة عليهم.
﴿وَلَقَدۡ أَتَوۡاْ عَلَى ٱلۡقَرۡیَةِ ٱلَّتِیۤ أُمۡطِرَتۡ مَطَرَ ٱلسَّوۡءِۚ﴾ أي: لقد مرُّوا في طريقهم - والكلام عن مشركي قريش - على القرية التي أمطَرَها الله بالحجارة، وهي قرية قوم لوط
عليه السلام.
﴿أَفَلَمۡ یَكُونُواْ یَرَوۡنَهَاۚ﴾ ليعتبروا وينظروا في حالهم، وعاقبة أمرهم.
﴿بَلۡ كَانُواْ لَا یَرۡجُونَ نُشُورࣰا﴾ بيان لسبب لهوِهِم وغفلتِهِم، وعدم اعتبارهم؛ حيث كانوا لا يؤمنون بالآخرة ولا يحسبون حسابها، والنشور هو: البعث والقيامة للحياة الأخرى.
﴿أَهَـٰذَا ٱلَّذِی بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولًا﴾ سؤال على معنى الازدراء والاستهزاء.
﴿إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَـٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِیلًا﴾ لأنَّ
الأنعام ليس لها القدرة على تمييز الحقِّ عن الباطل، وليست مكلَّفة بذلك، بخلاف هؤلاء الذين منَحَهم الله العقل فعطَّلوه، ومنَحَهم أسباب المعرفة فأغلَقوها.