فقالوا معاندينَ للحقِّ مكذِّبين لنبيِّهم: {سواءٌ علينا أوعظتَ أمْ لم تكن من الواعظينَ}؛ أي: الجميع على حدٍّ سواء! وهذا غاية العتوِّ؛ فإنَّ قوماً بلغتْ بهم الحالُ إلى أن صارتْ مواعظُ الله التي تُذيبُ الجبالَ الصُّمَّ الصِّلابَ، وتتصدَّعُ لها أفئدةُ أولي الألباب، وجودُها وعدمُها عندهم على حدٍّ سواء؛ لَقَوْمٌ انتهى ظلمُهم واشتدَّ شقاؤُهم وانقطعَ الرجاءُ من هدايَتِهِم، ولهذا قالوا: {إنْ هذا إلاَّ خُلُقُ الأوَّلينَ}؛ أي: هذه الأحوال والنعم ونحو ذلك عادةُ الأولينَ؛ تارةً يستغنون، وتارةً يفتقرونَ، وهذه أحوال الدَّهر؛ لأنَّ هذه محنٌ ومنحٌ من الله تعالى وابتلاءٌ لعباده. {وما نحن بِمُعَذَّبينَ}: وهذا إنكارٌ منهم للبعث، أو تنزُّلٌ مع نبيِّهم وتهكُّمٌ به؛ أنَّنا على فرض أنَّنا نُبْعَثُ؛ فإنَّنا كما أُدِرَّتْ علينا النعمُ في الدنيا؛ كذلك لا تزال مستمرةً علينا إذا بُعِثْنا.