قالوا له مكذِّبين له رادِّين لقوله: {إنَّما أنتَ من المسحَّرينَ}: فأنت تَهْذي وتتكَلَّم كلامَ المسحور الذي غايتُهُ أن لا يؤاخَذَ به، {وما أنت إلاَّ بشرٌ مثلُنا}: فليس فيك فضيلةٌ اختصصتَ بها علينا حتى تَدْعُوَنا إلى اتِّباعك. وهذا مثل قول من قبلَهم ومَنْ بعدَهم، ممَّن عارضوا الرسل بهذه الشبهة، التي لم يزالوا يُدْلون بها ويَصولون ويتَّفِقون عليها؛ لاتفاقِهِم على الكفر، وتشابُهِ قلوبِهِم، وقد أجابتْ عنها الرسلُ بقولِهِم: {إنْ نَحْنُ إلاَّ بشرٌ مثلُكُم ولكن الله يمنُّ على مَن يشاءُ من عبادِهِ}. {وإن نَظُنُّكَ لَمِنَ الكاذبين}: وهذا جراءةٌ منهم وظلمٌ وقولُ زورٍ، قد انطووا على خلافِهِ؛ فإنه ما من رسول من الرسل واجَهَ قومَه ودعاهم وجادلهم وجادلوه؛ إلاَّ وقد أظهر الله على يديه من الآيات ما به يتيقَّنون صدقَه وأمانتَه، خصوصاً شعيباً عليه السلام، الذي يسمَّى خطيبَ الأنبياء؛ لحسن مراجعتِهِ قومه ومجادلَتِهِم بالتي هي أحسنُ؛ فإنَّ قومَه قد تيقَّنوا صدقَه وأنَّ ما جاء به حقٌّ، ولكنَّ إخبارَهم عن ظنِّ كذبِهِ كذبٌ منهم. {فأسْقِطْ علينا كِسَفاً من السماءِ}؛ أي: قطع عذاب تستأصلنا، {إن كنتَ من الصادقينَ}؛ كقول إخوانهم: {وإذْ قالوا اللهمَّ إن كان هذا هو الحقَّ من عندِكَ فأمطرْ علينا حجارةً من السماء أو ائْتِنا بعذابٍ أليم}، أو أنَّهم طلبوا بعضَ آيات الاقتراح التي لا يلزمُ تتميمُ مطلوبِ مَنْ سَألها.