فقال: {هل أنبِّئُكم}؛ أي: أخبركم الخبر الحقيقيَّ الذي لا شكَّ فيه ولا شبهةَ عن مَنْ تَنَزَّلُ الشياطين عليه؛ أي: بصفة الأشخاص الذين تَنَزَّلُ عليهم الشياطين. {تَنَزَّلُ على كُلِّ أفاكٍ}؛ أي: كذابٍ كثير القول للزُّورِ والإفك بالباطل، {أثيم}: في فعلِهِ كثير المعاصي. هذا الذي تَنْزِلُ عليه الشياطين وتناسبُ حالُه حالَهم. {يُلقونَ}: عليه {السمعَ}: الذي يَسْتَرِقونه من السماء، {وأكثَرُهُم كاذبونَ}؛ أي: أكثر ما يُلقون إليه كذباً، فَيَصْدُقُ واحدةً ويَكْذِبُ معها مائةً، فيختلط الحقُّ بالباطل، ويضمحلُّ الحقُّ بسبب قلتِهِ وعدم علمِهِ. فهذه صفة الأشخاص الذين تَنَزِّلُ عليهم الشياطين، وهذه صفةُ وحيِهِم له. وأمَّا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -؛ فحالُه مباينةٌ لهذه الأحوال أعظمَ مباينةٍ؛ لأنه الصادق الأمين البارُّ الراشدُ، الذي جمع بين برِّ القلب وصدق اللهجة ونزاهة الأفعال من المحرَّم، والوحيُ الذي ينزِلُ عليه من عند الله ينزِلُ محروساً محفوظاً مشتملاً على الصدق العظيم الذي لا شكَّ فيه ولا ريبَ؛ فهل يستوي يا أهلَ العقول هذا وأولئك؟! وهل يشتبهانِ إلاَّ على مجنونٍ لا يميِّزُ ولا يفرِّقُ بين الأشياء؟!