﴿فَإِذَا هُمۡ فَرِیقَانِ یَخۡتَصِمُونَ﴾ فريق مصدِّق وفريق مكذِّب، والمصدِّقون هم القلَّة المستضعَفون، بدلالة قوله تعالى في مكان آخر:
﴿قَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِینَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ لِلَّذِینَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِمَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُمۡ أَتَعۡلَمُونَ أَنَّ صَـٰلِحࣰا مُّرۡسَلࣱ مِّن رَّبِّهِۦۚ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَاۤ أُرۡسِلَ بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ﴾ [الأعراف: 75]، والآية تشير إلى معنى المخاصمة أيضًا.
﴿قَالَ یَـٰقَوۡمِ لِمَ تَسۡتَعۡجِلُونَ بِٱلسَّیِّئَةِ قَبۡلَ ٱلۡحَسَنَةِۖ﴾ أي: لِمَ تطلبون العذاب وتستعجِلُونه عليكم بعِنادكم وتكذيبكم، ولا تطلبون رحمة الله وهي قريبة منكم لو اهتديتم؟
﴿لَوۡلَا تَسۡتَغۡفِرُونَ﴾ أسلوب من أساليب الحث والطلب، بمعنى: هلَّا تستغفرون الله.
﴿قَالُواْ ٱطَّیَّرۡنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَۚ﴾ أصلُه: تطيَّرنا، ومعناه: تشاءَمنا.
﴿قَالَ طَـٰۤىِٕرُكُمۡ عِندَ ٱلـلَّــهِۖ﴾ أي: ما قُدِّرَ لكم من خيرٍ أو شرٍّ فهو عند الله، وذلك بحَسب أعمالكم وما تُقدِّمُونه لأنفسكم.
﴿وَكَانَ فِی ٱلۡمَدِینَةِ﴾ الحِجر، وذِكرُ المدينة لا ينفي عنهم طبع القبيلة، فثمود قبيلة معروفة وقد استوطَنَت الحِجر، والحِجر بين الحجاز والشام.
﴿تِسۡعَةُ رَهۡطࣲ﴾ تسعة أشخاص، وأصل الرهط: العدد القليل من الناس، والظاهر أنهم من عتاة القوم وطغاتهم.
﴿تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ﴾ تعاهَدوا وتحالَفوا بالله، وهذا دليلٌ أنهم كانوا يعرفون الله، لكنَّهم يُشركون به على عادة كثيرٍ من العرب.
﴿لَنُبَیِّتَنَّهُۥ وَأَهۡلَهُۥ﴾ لنقتلنَّه مع أهله غِيلةً وغدرًا.
﴿ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِیِّهِۦ﴾ أي: لِوَليِّ دمه، والظاهر أنه ممن لم يشمَله وعيدهم؛ لأنه ربما كان من ملَّتهم.
﴿مَا شَهِدۡنَا مَهۡلِكَ أَهۡلِهِۦ وَإِنَّا لَصَـٰدِقُونَ﴾ أي: لم نحضر مقتله ومقتل أهله، ولا ندري عن قاتلهم شيئًا، وإنا لصادقون فيما نُخبركم به.
﴿وَمَكَرۡنَا مَكۡرࣰا﴾ باستدراجهم إلى حَتفهم وهلاكهم.
﴿فَتِلۡكَ بُیُوتُهُمۡ خَاوِیَةَۢ﴾ خالية من أهلها، وكانت في الطريق بين الحجاز والشام يراها الناس.
﴿أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَـٰحِشَةَ وَأَنتُمۡ تُبۡصِرُونَ﴾ بمعنى أن الذي يعقِل ويُبصِر لا يمكن أن ينتكِس إلى مثل هذا الشذوذ.
﴿أَخۡرِجُوۤاْ ءَالَ لُوطࣲ مِّن قَرۡیَتِكُمۡۖ﴾ فهم لا يريدون أحدًا يُعكِّر عليهم ما هم فيه مُنغمِسون، وهذا دَيدَن الغارق في الشهوة، بخلاف صاحب الشُّبهة والفكرة الخاطئة.
﴿إِنَّهُمۡ أُنَاسࣱ یَتَطَهَّرُونَ﴾ ربما كان ذلك على سبيل التهكُّم والسخرية، لكن حالة هؤلاء القوم لا يُستبعد معها أنهم يُفاخرون بالفساد والرذيلة، ولا يُحاولون تغطيتها أو تسميتها بغير أسمائها، وهذا دَرك ما تحته دَرك، وشذوذ ما بعده شذوذ.
﴿إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ قَدَّرۡنَـٰهَا مِنَ ٱلۡغَـٰبِرِینَ﴾ الهالكين الباقين في العذاب، بسبب موالاتها لهم.
﴿فَسَاۤءَ مَطَرُ ٱلۡمُنذَرِینَ﴾ إشارة إلى أن عذابهم لم يكن ابتداءً، رغم ما هم فيه من كفر وفساد، وإنما كان بعد النذارة وإقامة الحجة.
وهنا تدبُّرٌ دقيقٌ: أن قوم صالح تآمروا عليه لقتله، وقوم لوط تآمروا عليه لإخراجه، وقد نزلت هذه الآيات على سيدنا محمدٍ
ﷺ وهو في مكة، وكانت قريشٌ تتآمَر عليه أيضًا لقتله أو إخراجه، وكان في هذا إنذارٌ لهم، وتسليةٌ مُطمئِنةٌ لنبيِّنا الكريم عليه وعلى إخوانه الصلاة والتسليم.