﴿بَلِ ٱدَّ ٰرَكَ عِلۡمُهُمۡ فِی ٱلۡأَخِرَةِۚ﴾ وادَّارَك أصلها تدارَك، أي: تتابع ولحِقَ بعضُه بعضًا، والمقصود أن معلوماتهم عن الآخرة قد تتابعت من كل جيل، واختلط بعضها ببعض تعصُّبًا وتقليدًا، وهوًى مُتَّبَعًا بلا دليل ولا بيِّنة، فتشابَهَت أقوالُهُم فيها؛ ولذلك عقَّب بقوله:
﴿بَلۡ هُم مِّنۡهَا عَمُونَ﴾ أي:كالعُميان.
﴿أَسَـٰطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ﴾ ما سطَّره الأولون من قصص وحكايات بلا دليل ولا بيِّنة.
﴿كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلۡمُجۡرِمِینَ﴾ تهديدٌ لهم ليدفعهم إلى النظر الجاد والتفكير الهادف.
﴿وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَیۡهِمۡ وَلَا تَكُن فِی ضَیۡقࣲ مِّمَّا یَمۡكُرُونَ﴾ تأكيدٌ لرحمته
ﷺ بقومه وشفقته عليهم، ورغبته في هدايتهم.
﴿رَدِفَ لَكُم﴾ لحِقَكم وقرب منكم.
﴿بَعۡضُ ٱلَّذِی تَسۡتَعۡجِلُونَ﴾ من العذاب، والإشارة هنا إلى يوم بدر، والله أعلم.
﴿مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمۡ﴾ ما تُخفيه.
﴿إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مُّبِینٍ﴾ هو اللوح المحفوظ.
﴿إِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ﴾ شبَّه المشرك المعانِد بالميت الذي لا يسمع.
﴿وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَاۤءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِینَ﴾ تشبيهٌ آخر بالأصم المُدبِر الذي لا يرى المتحدِّثَ، ولا يسمعه ولا يفهم منه شيئًا.
﴿وَمَاۤ أَنتَ بِهَـٰدِی ٱلۡعُمۡیِ﴾ تشبيهٌ ثالثٌ، والمقصود أن هؤلاء المشركين قد أغلَقُوا بعِنادهم وغرُورهم كل منافِذَ الاطلاع والمعرفة عندهم.
﴿أَكَذَّبۡتُم بِـَٔایَـٰتِی وَلَمۡ تُحِیطُواْ بِهَا عِلۡمًا﴾ إذ كان التكذيب مبنيًّا على الحسد والكِبر، وليس على النظر والفكر.
﴿وَوَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَیۡهِم﴾ حلَّ بهم وعيده سبحانه، والظاهر من السياق أنه الساعة.
﴿أَخۡرَجۡنَا لَهُمۡ دَاۤبَّةࣰ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ تُكَلِّمُهُمۡ﴾ الدابَّة ما يدبُّ على الأرض، وخروجها علامةٌ من علامات الساعة، وهي من الأخبار الغيبيَّة الثابتة بالوحي، فينبغي الإيمان بها والوقوف على النص؛ لأن العلم بها وبكل السمعيَّات لا يأتي إلا عن طريق النص.
﴿وَیَوۡمَ نَحۡشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةࣲ فَوۡجࣰا مِّمَّن یُكَذِّبُ بِـَٔایَـٰتِنَا﴾ والفَوج: الجماعة من الناس، والمقصود هنا: قادة الكفر في كل أمة.
﴿فَهُمۡ یُوزَعُونَ﴾ يُزجرون وينتظمون في وقفتهم وحركتهم بحسب ما يتلقونه من أمر.
﴿فَهُمۡ لَا یَنطِقُونَ﴾ بحجة ولا باعتذار.
﴿أَلَمۡ یَرَوۡاْ أَنَّا جَعَلۡنَا ٱلَّیۡلَ لِیَسۡكُنُواْ فِیهِ وَٱلنَّهَارَ مُبۡصِرًاۚ﴾ تذكير بنعم الله التي تستوجب الشكر لا الكفر؛ فالليل جعله للسكن والراحة، والنهار للعمل، ونسب الإبصار إلى النهار مجازًا بمعنى أنه محل الإبصار بخلاف الليل.
وهنا إشارة دقيقة، وهي: أن الله قد أمهلهم كثيرًا، فتعاقب عليهم الليل والنهار، وكان لديهم فُسحة مديدة ومتنوعة للتفكير.
﴿وَیَوۡمَ یُنفَخُ فِی ٱلصُّورِ﴾ البُوق الذي ينفخ فيه إسرافيل
عليه السلام مُعلنًا ساعة الفناء وانتهاء الحياة الدنيا، ثم ينفخ فيه مرة أخرى لإعلان ساعة البعث والقيام لرب العالمين، والصُّور من الأمور الغيبية التي لا نعرف عنها شيئًا، فينبغي الوقوف عند خبر الوحي، ثم الإمساك عن الكيفيَّة والتفصيل.
﴿فَفَزِعَ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَن فِی ٱلۡأَرۡضِ﴾ والفزع الخوف والذعر والنفرة.
﴿دَ ٰخِرِینَ﴾ صاغرين.
﴿وَتَرَى ٱلۡجِبَالَ تَحۡسَبُهَا جَامِدَةࣰ وَهِیَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِۚ صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِیۤ أَتۡقَنَ كُلَّ شَیۡءٍۚ﴾ ذهب المفسرون إلى أن هذا كائن حين تقوم الساعة، فجعلوها علامةً على خراب الأرض ونهاية الحياة، ثم تكلَّفوا في تأويل قوله تعالى:
﴿صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِیۤ أَتۡقَنَ كُلَّ شَیۡءٍۚ﴾ ولم يكن العلم آنذاك قد أثبت دوران الأرض حول نفسها، ودورانها حول الشمس؛ لينتج عن الدوران الأول: الليل والنهار، وعن الدوران الثاني: الفصول الأربعة.
فالجبال التي نراها ثابتة راسخة جامدة إنما هي تدور بدوران الأرض، وهذا من صنع الله الذي أتقن كل شيء، وليس من علامات الخراب والدمار، والتطرُّق إلى هذا الصنع في خِضَمِّ الحديث عن القيامة هو من باب الالتفات والتذكير المتكرر بنعم الله وآلائه، والله أعلم.
﴿مَن جَاۤءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ خَیۡرࣱ مِّنۡهَا﴾ أي: من جاء بالعمل الصالح فله مزيد من ثواب الله وكرمه فوق ما يرجو ويستحق، والله يُضاعف لمن يشاء.
﴿وَمَن جَاۤءَ بِٱلسَّیِّئَةِ فَكُبَّتۡ وُجُوهُهُمۡ فِی ٱلنَّارِ هَلۡ تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ فالله لا يظلم أحدًا، وإنما هي أوزارهم التي اقترَفَتْها أيديهم، وبمحض إرادتهم واختيارهم.
﴿إِنَّمَاۤ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ رَبَّ هَـٰذِهِ ٱلۡبَلۡدَةِ﴾ مكة، وفي هذا التخصيص تشريفٌ لمكة، وتلطُّف لا يخفى بأهلها.
﴿ٱلَّذِی حَرَّمَهَا﴾ الذي جعلها حرمًا آمنًا.
﴿وَأَنۡ أَتۡلُوَاْ ٱلۡقُرۡءَانَۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا یَهۡتَدِی لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَقُلۡ إِنَّمَاۤ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُنذِرِینَ﴾ أصلٌ في علاقة الداعي بالمدعو، فعلى الداعي البيان والإنذار، ثم المدعو يتحمل مسؤوليته التكليفية، وعاقبة اختياره وقراره.
﴿وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ سَیُرِیكُمۡ ءَایَـٰتِهِۦ﴾ دلائل ألوهيته وصدق وعده ووعيده، وفي الآية إشارةٌ لما يكتشفه الإنسان من علوم كونية تشهد لهذا القرآن، كما مرَّ معنا آنفًا في قوله:
﴿وَتَرَى ٱلۡجِبَالَ تَحۡسَبُهَا جَامِدَةࣰ وَهِیَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِۚ صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِیۤ أَتۡقَنَ كُلَّ شَیۡءٍۚ﴾.