﴿نَتۡلُواْ عَلَیۡكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرۡعَوۡنَ﴾ نقُصُّ عليك شيئًا مِن خبر موسى
عليه السلام مع فرعون.
﴿لِقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ﴾ هم المسلمون، في إشارةٍ إلى حاجة هذه الأُمَّة لذلك
القصص ولتلك التجربة الثريَّة بعد أن اختارها الله بديلًا عن قوم موسى
عليه السلام في حمل الأمانة، وتبليغ الرسالة.
﴿إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِیَعࣰا﴾ قسَّمَهم إلى طوائف، وأنشَبَ الفُرقة بينهم، وهذه سياسةٌ مُتَّبَعة لدى طواغيت الأرض، ووسيلتهم لإشغال الناس ببعضهم.
﴿یَسۡتَضۡعِفُ طَاۤىِٕفَةࣰ مِّنۡهُمۡ﴾ هم بنو إسرائيل.
﴿وَیَسۡتَحۡیِۦ نِسَاۤءَهُمۡۚ﴾ يستبقيهنَّ للخدمة.
﴿وَنُرِیدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِینَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِی ٱلۡأَرۡضِ﴾ هم بنو إسرائيل، والمَنُّ: الإنعام، بمعنى أنَّ الله يُريد أن يُنعِم على بني إسرائيل بما سيأتي ذكره.
﴿وَنَجۡعَلَهُمۡ أَىِٕمَّةࣰ﴾ قادةً وملوكًا، وقد كان لهم ذلك أيام داود وسُليمان
عليهما السلام.
﴿وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَ ٰرِثِینَ﴾ الذين يرِثُون المُلكَ بعد نجاتهم من قبضة فرعون وهلاكه.
﴿وَنُرِیَ فِرۡعَوۡنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنۡهُم مَّا كَانُواْ یَحۡذَرُونَ﴾ حيث كان الفراعنة يخشَون زوالَ مُلكهم على يدِ واحدٍ من بني إسرائيل، وأنَّ هؤلاء المستضعفين سيعلو شأنُهم، ويكونون قادةً وملوكًا، فكان كلّ ما كانوا يخشَونه ويحذَرونه.
﴿وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰۤ أُمِّ مُوسَىٰۤ أَنۡ أَرۡضِعِیهِۖ فَإِذَا خِفۡتِ عَلَیۡهِ فَأَلۡقِیهِ فِی ٱلۡیَمِّ وَلَا تَخَافِی وَلَا تَحۡزَنِیۤۖ إِنَّا رَاۤدُّوهُ إِلَیۡكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِینَ﴾ الظاهر أنَّ هذا وحيٌ على الحقيقة، وهذا هو الأصل، وتأويله بالإلهام أو المنام تحرُّزًا عن القول بنبوة النساء لا يخلو من التكلُّف، ولا أعلم نصًّا صريحًا في المنع يقتضي هذا التأويل، خاصَّةً عند من يُفرِّق بين معنى النبي ومعنى الرسول، فيرى التبليغ لازمًا للرسالة دون النبوة، فهذا التفريق مُتنفَّسٌ قويٌّ لمن يقول بنبوة المرأة؛ إذ لم يَرِد اختصاص الرجال إلا بالرسالة:
﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالࣰا﴾.
ثُمَّ إذا أمكَنَ تأويل الأمر بالإرضاع بالفِطرة، والأمر بإلقائه في اليمِّ بالغريزة، فكيف نتأوَّل النهيَين:
﴿وَلَا تَخَافِی وَلَا تَحۡزَنِیۤۖ﴾، والبشارتَين:
﴿إِنَّا رَاۤدُّوهُ إِلَیۡكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِینَ﴾.
والذي يؤيِّد أنَّ هذه بِشارة وَحيٍ قوله تعالى الآتي:
﴿فَرَدَدۡنَـٰهُ إِلَىٰۤ أُمِّهِۦ كَیۡ تَقَرَّ عَیۡنُهَا وَلَا تَحۡزَنَ وَلِتَعۡلَمَ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣱّ﴾.
ثُمَّ إنَّ هذا التأويل يفتح البابَ لدُعاة الضلال والباطنيَّة للقول باستمرار مثل هذا الوحي على الأئمة مِن غير أن يكونوا أنبياء؛ وذلك لأنه لو قُلنا: إنَّ كلَّ هذا الذي تلَقَّتْه أمُّ موسى وكذلك أمُّ عيسى
عليهم السلام ليس وحيًا، مع ما فيه مِن أوامر ونواهٍ، وبشاراتٍ وخطابٍ مُباشرٍ من الملائكة
﴿وَإِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَــٰۤىِٕكَةُ یَـٰمَرۡیَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰكِ﴾ [آل عمران: 42]، فما الذي يمنع أن ينزِل مثل هذا على الأئمة مِن بعد الرسل؟
﴿فَأَلۡقِیهِ فِی ٱلۡیَمِّ﴾ البحر، والمقصود به هنا: نهر النيل.
﴿لِیَكُونَ لَهُمۡ عَدُوࣰّا وَحَزَنًاۗ﴾ اللام هنا لام العاقبة وليست للتعليل؛ لأنَّهم إنما التقَطوه ليكون لهم ولدًا، فكان لهم عدوًّا، والحَزن والحُزن بمعنًى.
﴿وَأَصۡبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَـٰرِغًاۖ﴾أي: خاليًا من كلِّ همٍّ إلَّا مِن همِّ رضيعِها وهي تراه بين أمواج النيل أولًا، ثم بين أيدِي آل فرعون ثانيًا.
﴿إِن كَادَتۡ لَتُبۡدِی بِهِۦ﴾ من شدَّة حزنها وقلقها عليه، كأن ترفع صوتَها بالبكاء والعَويل مثلًا.
﴿لَوۡلَاۤ أَن رَّبَطۡنَا عَلَىٰ قَلۡبِهَا﴾ بالتثبيت.
﴿وَقَالَتۡ لِأُخۡتِهِۦ قُصِّیهِۖ﴾ اتَّبِعيه وتقصِّي خَبرَه.
﴿۞ وَحَرَّمۡنَا عَلَیۡهِ ٱلۡمَرَاضِعَ﴾ تحريمًا قدريًّا، بمعنى المنع وليس
التحريم التكليفي، فكُلَّما تقدَّمَت إليه امرأةٌ لتُرضِعه أبَى.
﴿فَقَالَتۡ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰۤ أَهۡلِ بَیۡتࣲ یَكۡفُلُونَهُۥ لَكُمۡ﴾ يبدو أنَّهم بعد امتناعه عن الرضاعة صاروا يبحثون له عن مُرضعةٍ تُناسِبُه، فتوافد الناس تقرُّبًا لفرعون، فدخَلَت أختُه معهم وقالت كلِمتها دون أن تُثير الرِّيبة.
﴿وَهُمۡ لَهُۥ نَـٰصِحُونَ﴾ أي: معرُوفون بالأمانة والنُّصح.
﴿وَلِتَعۡلَمَ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣱّ﴾ والمقصود بوعد الله هنا: قوله تعالى المتقدِّم:
﴿إِنَّا رَاۤدُّوهُ إِلَیۡكِ﴾ وهو تأكيدٌ أنَّ ذلك الوعد إنَّما كان وَحيًا على الحقيقة، والله أعلم.