﴿كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَیۡتࣰاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُیُوتِ لَبَیۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ﴾ مثَلٌ ضرَبَه الله لحال المشركين وهم مُتشبِّثون بأصنامهم وأوثانهم، فبيتُ
العنكبوت لا يستقرُّ ولا يَثبُت على أساس، وهو مُفَكَّكٌ مُخترَقٌ تلعبُ به الريح، ولا يَقِي من قطرة ماءٍ ولا ذرَّة غبارٍ، وهكذا حال العقائد الوثنيَّة التي لا تستند على دليلٍ، ولا تُبنى على منطقٍ، ولا تصمُد أمام التفكير، وليس لها جواب على سؤال، ولا قدرة على حوار.
ثم إنَّ المشركين يستنصِرونها ويسترزِقونها، وهي أضعَفُ منهم وأفقرُ منهم، وأما في الآخرة فسيكتَشِفون أنَّهم ما استظَلُّوا بشيءٍ، ولا احتَمُوا بشيءٍ، وهكذا هي
العنكبوت حينما ترى بيتَها يتهاوَى بأدنى هبَّةٍ، وأقصَر نفخةٍ.
﴿إِنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُ مَا یَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مِن شَیۡءࣲۚ﴾ فهذه الأصنام التي هي كبيت
العنكبوت ليست شيئًا، بل هي وهمٌ في وهمٍ، وسرابٌ في سرابٍ.
﴿وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَـٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا یَعۡقِلُهَاۤ إِلَّا ٱلۡعَـٰلِمُونَ﴾ لأنَّ العالِم ينظر في موضوع المَثَل ومغزاه، أما العابِث الهازِل فإنَّه يتعامَلُ مع المَثَل بنفسٍ مريضةٍ، وعقلٍ غافلٍ.
﴿إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ﴾ تلك هي الصلاة التي يُريدها الله، إنَّها صِلةٌ بين الإنسان وربِّه، وصِلةٌ بين الإنسان وأخِيه، إنَّها العبادة الممزوجة بالأخلاق ومعاني الخير والنُّبل والفضيلة، أما حينما تنعَزِل الصلاة عن كلِّ هذه المعاني؛ حيث تقتَرِن بالظلم والنفاق والمنكر فهذه صلاةٌ مغشوشةٌ، تُشوِّهُ الدين، وتضرُّ العالمين.
وقوله:
﴿تَنۡهَىٰ﴾ أي: تزرَعُ في صاحبها الوازع والرادع، فقامت في نفسه مقام الناهي، والله أعلم.
﴿وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۗ﴾ وصفٌ لأهميّة تلك الصلاة وعظمتها، تلك التي تنهى عن الفحشاء والمنكر بدلالة السياق، والصلاة ذِكرٌ.
﴿وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ﴾ عقيدةٌ تبعثُ في نفس المؤمن حسَّ الرقابة الذاتيَّة، واستِصحاب الخوف من الذنب والخطيئة، وتلك هي التقوَى.
﴿۞ وَلَا تُجَـٰدِلُوۤاْ أَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُ﴾ خُلُقٌ إسلاميٌّ رفيعٌ، ومبدأٌ عزيزٌ من مبادئ التحاوُر والتفاهُم مع الآخر، وهو مُتضمِّنٌ لحُسن المعاملة بشكلٍ عام، وضمان حقوقهم الكاملة دون بَخسٍ ولا ظلمٍ، وإذا كان هذا في حقِّ أهل الكتاب، فهو الأَولَى بين المختلِفين داخل المنظومة الإسلاميَّة.
﴿إِلَّا ٱلَّذِینَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡۖ﴾ بعدوان وخيانة ونحوهما.
﴿وَقُولُوۤاْ ءَامَنَّا بِٱلَّذِیۤ أُنزِلَ إِلَیۡنَا وَأُنزِلَ إِلَیۡكُمۡ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمۡ وَ ٰحِدࣱ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ﴾ توجيهٌ ربَّانيٌّ بإعلان المشتركات العقديَّة والفكريَّة مع أهل الكتاب، وهذه حقيقةٌ معرفيَّةٌ، وفيها غايةٌ دعويَّةٌ إصلاحيَّةٌ لا تخفَى على لَبيبٍ، وليس في هذا ما يخدِشُ عقيدة الولاء والبراء، بل هو من فقهِ العلاقات الذي يغيبُ في زحمة الصراع، وردود الأفعال المرتبكة وغير المُتوازِنة.
﴿وَكَذَ ٰلِكَ أَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَۚ فَٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَـٰهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ یُؤۡمِنُونَ بِهِۦۖ﴾ إبرازٌ للذين أسلَمُوا من أهل الكتاب، أو الذين كان بعِلمِ الله أنَّهم سيُسلِمون، وهو إبرازٌ مقصودٌ لتوسيع دائرة المشتركات، مع ما فيه من إقامة الحجة على المُعانِدين والمُكذِّبين.
﴿وَمِنۡ هَـٰۤـؤُلَاۤءِ مَن یُؤۡمِنُ بِهِۦۚ﴾ أي: من أهل مكة، وأتَى بالفعل المضارع
﴿یُؤۡمِنُ﴾ إشارةً وبشارةً باستمرار دخولهم في الإسلام.
﴿ر﴾ تأكيدٌ لأُمِّيَّته
ﷺ، والأُمِّيَّة نقصٌ في حقِّ كلِّ إنسان إلَّا في حقِّه
ﷺ فهي شرفٌ؛ لأنَّها تُثبِتُ صِدقَ الوحي، ونزاهته
ﷺ في رسالته وما يُبلِّغُه عن ربِّه؛ ولذلك قال بعدها:
﴿إِذࣰا لَّٱرۡتَابَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ﴾ فكانت أُمِّيَّتُه قاطعةً لهذا الارتِياب.
﴿بَلۡ هُوَ ءَایَـٰتُۢ بَیِّنَـٰتࣱ فِی صُدُورِ ٱلَّذِینَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَۚ﴾ بمعنى أنَّ القرآن أبعَد ما يكون عن الرَّيب؛ إذ هو يحمِلُ بنفسه آيات صِدقِه ودلائل وَحيِه.
وفي الآية إشارةٌ إلى أنَّ الذين يُدرِكون هذه الآيات وهذه الدلائل إنَّما هم أهلُ العلم، بخلاف الجاهلين والغافلين.
﴿وَمَا یَجۡحَدُ بِـَٔایَـٰتِنَاۤ إِلَّا ٱلظَّـٰلِمُونَ﴾ تأكيدٌ أنَّ الإنسان العاقل السوِيَّ لا يُمكنه إذا اطَّلع اطِّلاعًا صحيحًا على هذه الآيات إلا أن يفتح لها عقله وقلبه، وعليه فالجحودُ ليس اجتهادًا ولا رأيًا صادرًا عن نظرٍ وفكرٍ، وإنما هو العناد والظلم، ومُجانبة العدل في القول والحكم.
﴿وَقَالُواْ لَوۡلَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡهِ ءَایَـٰتࣱ مِّن رَّبِّهِۦۚ﴾ هذا قولُ الظالمين الجاحِدين، وليس الباحِثين عن الحقِّ، ولو كانوا صادِقين في دعواهم لتفكَّروا أولًا في معاني آيات القرآن وما فيها من هَديٍ وعدلٍ ونورٍ قبل أن يطلُبُوا خوارقَ العادات؛ ولذلك ردَّ القرآن عليهم بقوله:
﴿أَوَلَمۡ یَكۡفِهِمۡ أَنَّاۤ أَنزَلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ یُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَرَحۡمَةࣰ وَذِكۡرَىٰ لِقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ ﴿٥١﴾ قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَیۡنِی وَبَیۡنَكُمۡ شَهِیدࣰاۖ یَعۡلَمُ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُواْ بِٱلۡبَـٰطِلِ وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَــٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ﴾.