ثم وصف المتقين وأعمالهم فقال: {الذين ينفقون في السراء والضراء}؛ أي: في حال عسرهم ويسرهم إن أيسروا أكثروا من النفقة وإن أعسروا لم يحتقروا من المعروف شيئاً ولو قل، {والكاظمين الغيظ}: أي: إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم، وهو امتلاء قلوبهم من الحنق الموجب للانتقام بالقول والفعل. هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطباع البشرية بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم. {والعافين عن الناس}، يدخل في العفو عن الناس العفو عن كل من أساء إليك بقول أو فعل، والعفو أبلغ من الكظم، لأن العفو ترك المؤاخذة مع السماحة عن المسيء، وهذا إنما يكون ممن تحلى بالأخلاق الجميلة وتخلى من الأخلاق الرذيلة، وممن تاجر مع الله وعفا عن عباد الله رحمة بهم وإحساناً إليهم، وكراهة لحصول الشر عليهم، وليعفو الله عنه ويكون أجره على ربه الكريم لا على العبد الفقير، كما قال تعالى: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله}. ثم ذكر حالة أعم من غيرها وأحسن وأعلى وأجل، وهي الإحسان، فقال تعالى: {والله يحب المحسنين}، والإحسان نوعان: الإحسان في عبادة الخالق والإحسان إلى المخلوق. فالإحسان في عبادة الخالق فسرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك». وأما الإحسان إلى المخلوق فهو إيصال النفع الديني والدنيوي إليهم ودفع الشر الديني والدنيوي عنهم، فيدخل في ذلك أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وتعليم جاهلهم ووعظ غافلهم والنصيحة لعامتهم وخاصتهم، والسعي في جمع كلمتهم وإيصال الصدقات والنفقات الواجبة والمستحبة إليهم على اختلاف أحوالهم وتباين أوصافهم، فيدخل في ذلك بذل الندى وكف الأذى واحتمال الأذى، كما وصف الله به المتقين في هذه الآيات، فمن قام بهذه الأمور فقد قام بحق الله وحق عبيده.