أي: ولا يظن الذين يبخلون؛ أي: يمنعون ما عندهم مما آتاهم الله من فضله من المال والجاه والعلم وغير ذلك، مما منحهم الله وأحسن إليهم به، وأمرهم ببذل ما لا يضرهم منه لعباده فبخلوا بذلك، وأمسكوه وضنوا به على عباد الله، وظنوا أنه خير لهم بل هو شر لهم في دينهم ودنياهم وعاجلهم وآجلهم، {سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة}؛ أي يجعل ما بخلوا به طوقاً في أعناقهم يعذبون به كما ورد في الحديث الصحيح: «إن البخيل يمثل له ماله يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يأخذ بلهزمته يقول: أنا مالك، أنا كنزك» ، وتلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصداق ذلك هذه الآية، فهؤلاء حسبوا أن بخلهم نافعهم ومجدٍ عليهم فانقلب عليهم الأمر، وصار من أعظم مضارهم وسبب عقابهم. {ولله ميراث السموات والأرض}؛ أي: هو تعالى مالك الملك وتردّ جميع الأملاك إلى مالكها وينقلب العباد من الدنيا ما معهم درهم ولا دينار ولا غير ذلك من المال. قال تعالى: {إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون}، وتأمل كيف ذكر السبب الابتدائي والسبب الغائي، الموجب كل واحد منهما أن لا يبخل العبد بما أعطاه الله. أخبر أولاً أن الذي عنده وفي يده فضل من الله ونعمة ليس ملكاً للعبد، بل لولا فضل الله عليه وإحسانه لم يصل إليه منه شيء. فمنْعُه ذلك منْعٌ لفضل الله وإحسانه، ولأن إحسانه موجب للإحسان إلى عبيده، كما قال تعالى: {وأحسن كما أحسن الله إليك}، فمن تحقق أن ما بيده فضل من الله لم يمنع الفضل الذي لا يضره بل ينفعه في قلبه وماله وزيادة إيمانه وحفظه من الآفات. ثم ذكر ثانياً أن هذا الذي بيد العباد، كلُّها ترجع إلى الله ويرثها تعالى وهو خير الوارثين، فلا معنى للبخل بشيء هو زائل عنك، منتقل إلى غيرك. ثم ذكر ثالثاً السبب الجزائي فقال: {والله بما تعملون خبير}، فإذا كان خبيراً بأعمالكم جميعها ويستلزم ذلك الجزاء الحسن على الخيرات والعقوبات على الشر لم يتخلف من في قلبه مثقال ذرة من إيمان عن الإنفاق الذي يجزي به الثواب ولا يرضى بالإمساك الذي به العقاب.