سورة آل عمران تفسير مجالس النور الآية 177

إِنَّ ٱلَّذِینَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلۡكُفۡرَ بِٱلۡإِیمَـٰنِ لَن یَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَیۡـࣰٔاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ ﴿١٧٧﴾

تفسير مجالس النور سورة آل عمران


المجلس الثاني والثلاثون : الرد السريع


من الآية (172- 180)


تَعمد الجيوش المنكسرة عادة إلى ردِّ الاعتبار، وإعادة الثقة بجنودها، وتوجيه رسالة لكل من يَعنِيه الأمر أن الانكِسارَ مرحلةٌ من مراحل الصراع لا أكثر، من هنا جاءت غزوة (حمراء الأسد)، وهي التي دعا لها رسول في اليوم التالي من النكسة لتعقُّب جيش المشركين الذي كان يشعر بالزهو، وقد تفاجأ فعلًا بهذا الخروج المفاجئ والمبكر، فالمشركون حينما قرروا ردَّ هزيمتهم في بدر جاءوا بعد ما يزيد على السنة، أما أن يكون الرد في اليوم التالي فهو مفاجأةٌ ثقيلةٌ لا يَقوَى على تحقيقها إلا جيشٌ مرتبطٌ بعقيدةٍ سماويَّةٍ أقوى من كلِّ الحسابات الأرضيَّة.
ويذكر أهل السير أن المشركين كانوا قبل هذه المفاجأة يُفكِّرون جديًّا بالرجوع إلى المدينة واستئصال الوجود الإسلامي فيها.
لقد آثر حُكماءُ قريشٍ الانسِحابَ من المواجهة بعد مُراسلاتٍ غير مُباشرة تأكَّدُوا فيها من عزم المسلمين على ردِّ الاعتبار وحِرمان المشركين من لذَّة الغَلَبة والانتصار، وبهذا تكون (حمراء الأسد) الغزوة الأسرع إعدادًا وتجهيزًا، والأقل خسائر، والأكبر نتائج.
ويُذكَر أن الرسول قد انتدب المسلمين للخروج ممن شارك فعلًا في معركة أمس، وهذا المقطع كله إنما جاء ليوثِّق هذه التجربة.


﴿أَصَابَهُمُ ٱلۡقَرۡحُ﴾ حيث فقَدُوا خيرة الأصحاب، منهم: حمزة عم رسول الله، ومصعب سفيره لأهل يثرب، كما جُرِحَ رسول الله وأُشِيعَ خبر مقتله، والخسائر المعنوية والنفسية (الغم) لم تكن بأقل من ذلك.

﴿ٱلَّذِینَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ﴾ يذكر أن الذي قال لهم ذلك رجل واحد، فيكون هذا من باب إطلاق العام وإرادة الخاص، والصيغة تُوحِي بجهالة الناقل، وكأنها نوع من الإشاعة والحرب النفسية لا أكثر.

﴿ وَلَا یَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤاْ أَنَّمَا نُمۡلِی لَهُمۡ خَیۡرࣱ لِّأَنفُسِهِمۡ﴾ إشارة إلى النصر المرحلي الذي أحرزه المشركون في أُحُد، وهنا تأكيد للمعيار الكلي في تقويم الأمور والأحداث والأشخاص، فليس كلُّ غالبٍ إلى خير، وليس كلُّ مغلوبٍ إلى شرٍّ.

﴿وَلَا یَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ یَبۡخَلُونَ بِمَاۤ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ هُوَ خَیۡرࣰا لَّهُمۖ بَلۡ هُوَ شَرࣱّ لَّهُمۡ﴾ فالمال نعمة كما النصر والجاه والصحة والقوة، والعبرة دائمًا ليس في ذات النعمة، بل في سلوك الإنسان قبلها ومعها وبعدها، وكأن القرآن يرى حاجة البشرية لتصويب نظرتها لمعيار الحقِّ والباطل، والحسن والقبح، والفضيلة والرذيلة، فتلك النعم كلها لا تعني الأفضلية على الخلق إن لم تقترن بالإيمان والعمل الصالح، بل قد تكون سببًا للبلاء والشقاء في الدنيا والآخرة، إضافةً إلى ما يمكن أن يُسبِّبُه البخلُ من هزيمة عامة لا ينجو من ضررها البخيل نفسه.