تَعمد الجيوش المنكسرة عادة إلى ردِّ الاعتبار، وإعادة الثقة بجنودها، وتوجيه رسالة لكل من يَعنِيه الأمر أن الانكِسارَ مرحلةٌ من مراحل الصراع لا أكثر، من هنا جاءت غزوة (حمراء الأسد)، وهي التي دعا لها رسول
ﷺ في اليوم التالي من النكسة لتعقُّب جيش المشركين الذي كان يشعر بالزهو، وقد تفاجأ فعلًا بهذا الخروج المفاجئ والمبكر، فالمشركون حينما قرروا ردَّ هزيمتهم في بدر جاءوا بعد ما يزيد على السنة، أما أن يكون الرد في اليوم التالي فهو مفاجأةٌ ثقيلةٌ لا يَقوَى على تحقيقها إلا جيشٌ مرتبطٌ بعقيدةٍ سماويَّةٍ أقوى من كلِّ الحسابات الأرضيَّة.
ويذكر أهل السير أن المشركين كانوا قبل هذه المفاجأة يُفكِّرون جديًّا بالرجوع إلى المدينة واستئصال الوجود الإسلامي فيها.
لقد آثر حُكماءُ قريشٍ الانسِحابَ من المواجهة بعد مُراسلاتٍ غير مُباشرة تأكَّدُوا فيها من عزم المسلمين على ردِّ الاعتبار وحِرمان المشركين من لذَّة الغَلَبة والانتصار، وبهذا تكون (حمراء الأسد) الغزوة الأسرع إعدادًا وتجهيزًا، والأقل خسائر، والأكبر نتائج.
ويُذكَر أن الرسول
ﷺ قد انتدب المسلمين للخروج ممن شارك فعلًا في معركة أمس، وهذا المقطع كله إنما جاء ليوثِّق هذه التجربة.