والعالمون: هم أهلُ العلم الذين يفهمون العِبَرَ ويتدبَّرون الآيات، والآياتُ في ذلك كثيرة: فمن آياتِ خَلْقِ {السمواتِ والأرضِ}: وما فيهما؛ أنَّ ذلك دالٌّ على عظمة سلطان الله وكمال اقتدارِهِ، الذي أوجد هذه المخلوقات العظيمة، وكمال حكمتِهِ؛ لما فيها من الإتقان، وسعة علمه؛ لأنَّ الخالق لا بدَّ أن يعلم ما خلقه؛ {ألا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ}، وعموم رحمته وفضله؛ لما في ذلك من المنافع الجليلة، وأنه المريد الذي يختارُ ما يشاءُ؛ لما فيها من التخصيصات والمزايا، وأنَّه وحده الذي يستحقُّ أن يُعبد ويوحَّد؛ لأنه المنفرد بالخلق؛ فيجب أن يُفْرَدَ بالعبادة. فكل هذه أدلَّة عقليَّة نبَّه الله العقول إليها، وأمرها بالتفكُّر واستخراج العبرة منها، {و} كذلك في {اختلاف ألسنتكم وألوانكم}: على كَثْرَتِكُم وتبايُنِكُم مع أنَّ الأصل واحدٌ ومخارج الحروف واحدةٌ، ومع ذلك؛ لا تجدُ صوتين متَّفقين من كل وجه، ولا لونين متشابهين من كلِّ وجه؛ إلاَّ وتجد من الفرق بين ذلك ما به يحصُلُ التمييز. وهذا دالٌّ على كمال قدرتِهِ ونفوذِ مشيئتِهِ وعنايته بعبادِهِ ورحمتِهِ بهم، أنْ قدَّرَ ذلك الاختلاف؛ لئلاَّ يقع التشابه، فيحصل الاضطراب، ويفوت كثير من المقاصد والمطالب.