ولما أمر بالقيام بحقِّه بترك الشرك الذي من لوازمه القيام بالتوحيد؛ أمر بالقيام بحقِّ الوالدين، فقال: {ووصَّيْنا الإنسان}؛ أي: عهدنا إليه وجعلناه وصيةً عنده سنسأله عن القيام بها وهل حَفِظَها أم لا؟ فوصيناه {بوالديه}، وقلنا له: {اشكُرْ لي}: بالقيام بعبوديَّتي وأداء حقوقي وأنْ لا تستعينَ بنعمي على معصيتي {ولوالديك}: بالإحسان إليهما بالقول الليِّن والكلام اللطيف والفعل الجميل والتواضع لهما وإكرامهما وإجلالهما والقيام بمؤونتهما واجتناب الإساءة إليهما من كلِّ وجه بالقول والفعل، فوصيناه بهذه الوصية وأخبرناه أنَّ {إليَّ المصيرُ}؛ أي: سترجع أيُّها الإنسان إلى من وصَّاك وكلَّفك بهذه الحقوق، فيسألك: هل قمتَ بها فيثيبك الثواب الجزيل، أم ضيَّعْتها فيعاقبك العقاب الوبيل؟! ثمَّ ذَكَرَ السببَ الموجبَ لبرِّ الوالدين في الأم، فقال: {حَمَلَتْه أمُّه وهناً على وهنٍ}؛ أي: مشقة على مشقة؛ فلا تزال تلاقي المشاقَّ من حين يكون نطفةً من الوحم والمرض والضعف والثقل وتغير الحال، ثم وجع الولادة ذلك الوجع الشديد، ثم {فصالُهُ في عامينِ}: وهو ملازمٌ لحضانة أمِّه وكفالتها ورضاعها. أفما يحسُنُ بمن تحمَّل على ولده هذه الشدائد مع شدة الحب أن يؤكِّد على ولده، ويوصي إليه بتمام الإحسان إليه؟