﴿أَلَمۡ تَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ﴾ مما تقدَّمت الإشارة إليه قبل الدخول في قصَّة
لقمان مع ابنه، فمن السماء ماؤها الذي تحيا به الأرض، ومن الأرض أشجارها وأنهارها وأنعامها ومواردها في بَرِّها وبحرِها، فكلُّ هذا مُسخَّرٌ للإنسان، وهذا التسخيرُ مُرتبطٌ بوظيفة الإنسان على هذه الأرض، وهي الاستِخلاف، والذي يحمل في أحد معانِيه إدارة الأرض بعدالةٍ وأمانةٍ.
﴿وَأَسۡبَغَ عَلَیۡكُمۡ نِعَمَهُۥ﴾ أكملها وأتمّها وظلَّلكم بها.
﴿ظَـٰهِرَةࣰ وَبَاطِنَةࣰۗ﴾ فمِن نِعَمِهِ الظاهرة: المال والجمال والعيال، ومِن نِعَمِهِ الباطنة: الحكمة والسكينة والطمأنينة.
﴿۞ وَمَن یُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥۤ إِلَى ٱللَّهِ﴾ يُخلِصُ دينَه وتوجُّهَه لله.
﴿فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ﴾ أي: استعصَمَ بالحقِّ، فكان بمنأى عن الانحراف والتيهان.
﴿نُمَتِّعُهُمۡ قَلِیلࣰا﴾ نُمهِلُهم في دنياهم مُدَّة آجالهم.
﴿ثُمَّ نَضۡطَرُّهُمۡ﴾ نأخذهم رغمًا عنهم.
﴿إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِیظࣲ﴾ إلى عذابٍ شديدٍ وثقيلٍ.
﴿ٱلۡحَمِیدُ﴾ الذي يستحقُّ الحمد دائمًا وأبدًا.
﴿وَلَوۡ أَنَّمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ مِن شَجَرَةٍ أَقۡلَـٰمࣱ﴾ أي: لو تحوَّلَت كلُّ أشجار الأرض إلى أقلامٍ.
﴿وَٱلۡبَحۡرُ یَمُدُّهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦ سَبۡعَةُ أَبۡحُرࣲ﴾ أي: ولو تحوَّل ماءُ البحر إلى مِدادٍ ومعه سبعةُ أَبْحُرٍ.
﴿مَّا نَفِدَتۡ كَلِمَـٰتُ ٱللَّهِۚ﴾ ما انتهَت كلماتُه سبحانه، فعِلمُ الله لا يُحدُّ بأقلامٍ ومِدادٍ، وهو أوسعُ وأشملُ وأبقَى من الدنيا وما فيها.
﴿مَّا خَلۡقُكُمۡ وَلَا بَعۡثُكُمۡ إِلَّا كَنَفۡسࣲ وَ ٰحِدَةٍۚ﴾ فالكثرة والقلة لا تعني لله شيئًا، فقدرة الله على الخلائق كلِّها كقدرته على واحدٍ منها، وهذا ردٌّ على مَن يُنكرُ البعث على سبيل الاستبعاد، كأنَّه يستثقل أن يُعيدَ الله كلَّ هؤلاء الناس على اختلاف أجيالهم في ساعةٍ واحدةٍ.
﴿إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّكُلِّ صَبَّارࣲ شَكُورࣲ﴾ كثيرُ الصبرِ، كثيرُ الشكرِ.
﴿وَإِذَا غَشِیَهُم مَّوۡجࣱ كَٱلظُّلَلِ﴾ أي: كالسُّحُب المُتراكِمة.
﴿فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدࣱۚ﴾ عدل، يُوفِي بعهده فلا ينكُث، ومِن هنا تبعيضيَّة تُشعِر بالقِلَّة، فالمعهودُ عن المشركين غير هذا؛ إذ هم ينقَلِبُون بعد نجاتهم جاحِدِين وكافرين، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿وَمَا یَجۡحَدُ بِـَٔایَـٰتِنَاۤ إِلَّا كُلُّ خَتَّارࣲ كَفُورࣲ﴾ والختَّارُ: الغادِرُ الناكِثُ للعهد.
﴿لَّا یَجۡزِی وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ وَلَا مَوۡلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِۦ شَیۡـًٔاۚ﴾ ترسيخٌ لقيمة المسؤوليَّة، وتأكيدٌ لعقيدة العدل الإلهي، وقد جاء التذكيرُ بها في خواتيم سورة
لقمان؛ لأن قصَّتَها تدور حول علاقة الوالد بولده.
﴿وَلَا یَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ﴾ أي: لا يغُرَّنَّكم الغَرور بعيدًا عن دين الله وطريقه المستقيم، ويصِحُّ إطلاقُ الغَرور على كلِّ من يكون سببًا في هذا؛ كهوَى نفسٍ، ووسوسةِ شيطانٍ، وكيد عدوٍّ، وغوايةِ صديقٍ.
﴿إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِ﴾ فلا يعلمها غيره.
﴿وَیُنَزِّلُ ٱلۡغَیۡثَ﴾ فلا يُنزِّل الغيثَ في موعده ومكانه غيره.
﴿وَیَعۡلَمُ مَا فِی ٱلۡأَرۡحَامِۖ﴾ هو علمُ الله الشامِلُ لكلِّ ما يكون في الأرحام من تلقيحٍ، وتخليقٍ، ونفخِ روحٍ، وصفاتٍ ماديَّةٍ ومعنويَّةٍ.
﴿وَمَا تَدۡرِی نَفۡسࣱ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدࣰاۖ﴾ أي: ماذا يكون لها من عوارض وطوارئ.
﴿وَمَا تَدۡرِی نَفۡسُۢ بِأَیِّ أَرۡضࣲ تَمُوتُۚ﴾ عطَفَ الخاصَّ على العام؛ للتنبيه عليه والتذكير به، فمكان موت الإنسان داخِلٌ في قوله:
﴿وَمَا تَدۡرِی نَفۡسࣱ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدࣰاۖ﴾، والله أعلم.