﴿فَتَعَالَیۡنَ أُمَتِّعۡكُنَّ وَأُسَرِّحۡكُنَّ سَرَاحࣰا جَمِیلࣰا﴾ أعطيكنَّ حقوقكنَّ وأطلقكنَّ طلاقًا حسنًا.
﴿یَـٰنِسَاۤءَ ٱلنَّبِیِّ لَسۡتُنَّ كَأَحَدࣲ مِّنَ ٱلنِّسَاۤءِ﴾ لأنّهنَّ أُمّهات المؤمنين، والمَثَلُ
الأعلى لنسائِهم.
﴿إِنِ ٱتَّقَیۡتُنَّۚ فَلَا تَخۡضَعۡنَ بِٱلۡقَوۡلِ﴾ بمعنى أنّ لِينَ القول عند مُخاطبة الرجال الأجانب ليس من صفات النساء المُتَّقِيَات.
﴿فَیَطۡمَعَ ٱلَّذِی فِی قَلۡبِهِۦ مَرَضࣱ﴾ بمعنى أنّه سيطمع باستِمالَتِها فيكون أجرَأَ عليها.
﴿وَقَرۡنَ فِی بُیُوتِكُنَّ﴾ بمعنى: السكون والاستقرار، فالمرأة محل السكينة والاستقرار والأُنس في البيت، وهي المعنيَّة برعاية الأطفال وتنشئتهم على الأخلاق والقيَم السليمة، وليس فيه منعٌ لها من الخروج لشؤونها؛ كالتعلُّم، والتطبُّب، والصلاة في المسجد، وصِلَة الرَّحِم.
﴿وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَـٰهِلِیَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ﴾ حيث كانت المرأة لا تتورَّع عن إظهار مفاتنها للرجال الأجانب.
﴿إِنَّمَا یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَیۡتِ﴾ ليُبعِد عنكم كلَّ ما ينبغي التنزُّه عنه.
﴿وَیُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِیرࣰا﴾ من الرِّجس، وفيه تأكيدٌ لا يخفى.
﴿وَٱذۡكُرۡنَ مَا یُتۡلَىٰ فِی بُیُوتِكُنَّ مِنۡ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ﴾ حيث كان الوحي يتنزَّل في بيوتهنَّ، وكان
ﷺ يعيش معهنَّ بهَديه وسنَّته، وفي هذا امتِنانٌ من الله عليهنَّ، وتكليفهنَّ واجِب التبليغ ونقل ما تعلَّمنَه من رسول الله بالقول والعمل.
﴿وَٱلۡقَـٰنِتِینَ وَٱلۡقَـٰنِتَـٰتِ﴾ المخلصين العبادة لله والمخلصات.
﴿وَٱلۡخَـٰشِعِینَ وَٱلۡخَـٰشِعَـٰتِ﴾ ذَكَرَ الخشوع ولم يذكر الصلاة؛ لأنَّ الخشوعَ روح الصلاة، فاكتفى به، والله أعلم.
﴿أَن یَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِیَرَةُ﴾ أي: الاختيار.
﴿وَإِذۡ تَقُولُ لِلَّذِیۤ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِ﴾ بالإسلام والصحبة، وهو سيدنا زيد بن حارثة ، والذي كان يُدعى زيد بن محمد؛ حيث تبنَّاه قبل البِعثة وقبل ورود النهي.
﴿وَأَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِ﴾ بالرعاية والمحبَّة والعتق.
﴿وَتُخۡفِی فِی نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِیهِ﴾ حيث إنّ الله أخبره أن سيدتنا زينب زوجة زيد ستكون زوجةً له بعد أن يُطلِّقها زيد، فلما جاءه زيدٌ يشكُوها إليه ولم يكن يعلَم بما قدَّره الله بشأن زوجته، أخَذَ رسولُ الله
ﷺ يُوصِيه بالتمسُّك بها، ويقول له:
﴿أَمۡسِكۡ عَلَیۡكَ زَوۡجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ﴾ أي: فيها.
﴿وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَىٰهُۖ﴾ حيث كان
ﷺ يستَحيِي أن يُبدي ذلك، ويخاف من تقوُّلات أعدائه من كافرين ومنافقين، فتكون في ذلك فتنةٌ للناس، وتشويهٌ للدعوة.
﴿فَلَمَّا قَضَىٰ زَیۡدࣱ مِّنۡهَا وَطَرࣰا﴾ أي: طلَّقَها وأنهى العلاقةَ بها، ولم يذكر القرآن اسمَ صحابيٍّ غيره.
﴿زَوَّجۡنَـٰكَهَا﴾ نصَّ على أنَّ الله هو الذي اختارَها لنبيِّه، وهو الذي زوَّجَه بها.
﴿لِكَیۡ لَا یَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ حَرَجࣱ فِیۤ أَزۡوَ ٰجِ أَدۡعِیَاۤىِٕهِمۡ إِذَا قَضَوۡاْ مِنۡهُنَّ وَطَرࣰاۚ﴾ بيان للحكمة من هذا الاختِيار القدري، فكأنَّ الله أرادَ أن يُبطِل عادة التبنِّي ويحسِمها عمليًّا حسمًا نهائيًّا.
﴿مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِیِّ مِنۡ حَرَجࣲ فِیمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُۥ ۖ﴾ بمعنى أنّه لا ينبغي أن يجتمع الحرج مع ما شرَّعَه الله له، فليس في شرع الله ما يُستَحيَى منه.
﴿سُنَّةَ ٱللَّهِ فِی ٱلَّذِینَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلُۚ﴾ أي: في الرسالات السابقة، وليس هذا التوجيه خاصًّا بالرسول الخاتم
ﷺ.
﴿وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قَدَرࣰا مَّقۡدُورًا﴾ إشارة أنّ هذا الذي حصل في بيت النبوَّة وزواجه
ﷺ من سيدتنا زينب كان قدرًا إلهيًّا لا خيارَ لأحدٍ به.
﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَاۤ أَحَدࣲ مِّن رِّجَالِكُمۡ﴾ أي: ما كان ينبغي ذلك، وفيه تأكيدٌ لإبطال عادة التبنِّي.
﴿وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِیِّـۧنَۗ﴾ فأصلُ العلاقة بينه وبين المؤمنين هي رسالتُهُ التي ختَمَ الله بها الرسالات، والتي هي طريقهم إلى عزة الدنيا وسعادة الآخرة.
وكونه
ﷺ خاتمًا للنبيين يقتضي انقطاع الوحي، فمن ادَّعى نزولَ وحي الله على أحدٍ من خلقه بعد النبيِّ، فهو مُخالفٌ لصريح هذه الآية؛ إذ النبوَّة الوحي:
﴿قُلۡ إِنَّمَاۤ أَنَا۠ بَشَرࣱ مِّثۡلُكُمۡ یُوحَىٰۤ إِلَیَّ﴾.
﴿وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةࣰ وَأَصِیلًا﴾ سبِّحوه بداية النهار ونهايته؛ أمّا البداية فاستعدادًا للعمل، وأمّا النهاية فاستغفارًا لما قد يكون فيه من زلَّة وتقصير.
﴿هُوَ ٱلَّذِی یُصَلِّی عَلَیۡكُمۡ﴾ الصلاةُ من الله: الرحمةُ والعفوُ والمغفرةُ.
﴿وَمَلَـٰۤىِٕكَتُهُۥ﴾ وصلاةُ الملائكة: الدعاءُ بالمغفرة.
﴿تَحِیَّتُهُمۡ یَوۡمَ یَلۡقَوۡنَهُۥ سَلَـٰمࣱۚ﴾ في ذلك اليوم الذي تنتفض فيه الخلائق كلُّها للحساب، يبشِّرُ الله هؤلاء المؤمنين بالنجاة والفوز، وأنّه سبحانه يُحيِيهم بالسلام، كما قال في آيةٍ أخرى:
﴿سَلَـٰمࣱ قَوۡلࣰا مِّن رَّبࣲّ رَّحِیمࣲ﴾ [يس: 58].
﴿یَــٰۤـأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ إِنَّـاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ شَـٰهِدࣰا﴾ لله بالوحدانيَّة، ولأنبياء الله جميعًا بالصدق وتبليغ الأمانة، وشاهدًا على الناس مَن آمَنَ بالله، ومَن كفر، ومَن أطاع، ومَن عصى.
﴿وَمُبَشِّرࣰا﴾ بالجنَّة وسعادة الدارين.
﴿وَنَذِیرࣰا﴾ من النار وشقاء الدنيا والآخرة.
﴿وَسِرَاجࣰا مُّنِیرࣰا﴾ وصفٌ لرسول الله
ﷺ، فهو السراجُ الذي يُنيرُ الحياة كلّها بنور هَديه وسنَّته كما تنيرها الشمس.
﴿وَدَعۡ أَذَىٰهُمۡ﴾ لا تلتَفِت إليه ولا تنشَغِل به عن تبلِيغِ ما أنزَلَه الله إليك.
﴿مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ﴾ مِن قبل أن تدخُلوا بهنَّ.
﴿فَمَا لَكُمۡ عَلَیۡهِنَّ مِنۡ عِدَّةࣲ تَعۡتَدُّونَهَاۖ﴾ هذا حكمُ الله في المرأة التي يُطلِّقُها زوجُها قبل الدخول بها، فإنَّها لا تعتدُّ عدَّةَ الطلاق، بل لها الحقُّ في الزواج بعد الطلاق مُباشرةً.
﴿فَمَتِّعُوهُنَّ﴾ أعطوهنَّ حقوقهنَّ كاملةً.
﴿وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحࣰا جَمِیلࣰا﴾ فارِقوهنَّ فراقًا جميلًا من غير أذًى ولا انتقاصٍ من قدرهنَّ وقدر أهلهنَّ؛ إذ الطلاق غالبًا ما ينتُجُ عن سوءٍ في العلاقة، وقلَّة انسجامٍ واحترامٍ، فجاء التنبيهُ القرآنيُّ للتحرُّز والوقاية عن الظلم والإثم.
﴿یَــٰۤـأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ إِنَّـاۤ أَحۡلَلۡنَا لَكَ أَزۡوَ ٰجَكَ ٱلَّـٰتِیۤ ءَاتَیۡتَ أُجُورَهُنَّ﴾ أي: مهورهنَّ، وقد ورد تسمية المهر أجرًا في زواج موسى
عليه السلام:
﴿قَالَ إِنِّیۤ أُرِیدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَیَّ هَـٰتَیۡنِ عَلَىٰۤ أَن تَأۡجُرَنِی ثَمَـٰنِیَ حِجَجࣲۖ﴾ [القصص: 27].
﴿وَٱمۡرَأَةࣰ مُّؤۡمِنَةً إِن وَهَبَتۡ نَفۡسَهَا لِلنَّبِیِّ إِنۡ أَرَادَ ٱلنَّبِیُّ أَن یَسۡتَنكِحَهَا﴾ ورد في هذه المسألة ثلاثة شروط:
الأول: أن تكون هناك امرأة مؤمنة متَّصِفة بالإيمان، وأن تهَبَ هذه المرأةُ نفسَها لرسول الله
ﷺ، راغبةً فيه من غير صداقٍ، وأن يرغبَ النبيُّ
ﷺ بنِكاحِها، وقد ورَدَت في سبب النزول رواياتٌ كثيرةٌ، إلا أنّ الذي في «الصحيحين»: أنَّ امرأةً عرَضَت نفسَها على رسول الله، لكنَّه
ﷺ لم يُرِد نكاحَها، فلم تكن له فيها حاجة، فلم يتزوَّج بها أصلًا، وهذا نصُّ الحديث:
عن سهل بن مُعاذٍ قال: جاءت امرأةٌ إلى رسول الله
ﷺ فقالت: إنِّي وهَبتُ منك نفسي. فقامَت طويلًا، فقال رجلٌ: زوِّجْنِيها إن لم تكن لك بها حاجة، قال: «هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا؟»، قال: ما عندي إلا إزارِي، فقال: «إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ، فَالْتَمِسْ شَيْئًا»، فقال: ما أجِدُ شيئًا، فقال: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيْدٍ»، فلم يجِد، فقال: «أَمَعَكَ مِنَ القُرْآنِ شَيْءٌ؟»، قال: نَعَم، سُورةُ كذا، سُورةُ كذا، لسورٍ سمَّاها، فقال: «زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ».
﴿خَالِصَةࣰ لَّكَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَۗ﴾ لأنَّ الصداقَ واجبٌ في كلِّ تزويجٍ، فكانت إباحةُ الزواجِ للنبيِّ
ﷺ من غير صداقٍ خصوصيَّة له، والله أعلم.
﴿۞ تُرۡجِی مَن تَشَاۤءُ مِنۡهُنَّ﴾ الإرجاء معناه: التأخير، والمعنى أنّه
ﷺ له أن يَرُدَّ مَن يجوز له نكاحها حتى لو عرَضَت هي نفسها عليه، كما تقدَّم في حديث «الصحيحين».
﴿وَتُـٔۡوِیۤ إِلَیۡكَ مَن تَشَاۤءُۖ﴾ أي: التي تختارَها زوجة لك.
﴿وَمَنِ ٱبۡتَغَیۡتَ مِمَّنۡ عَزَلۡتَ﴾ أي: لك أن ترجِع إلى المرأة التي ترَكتَها.
﴿ذَ ٰلِكَ أَدۡنَىٰۤ﴾ أقرب إلى رضاهنَّ.
﴿أَن تَقَرَّ أَعۡیُنُهُنَّ وَلَا یَحۡزَنَّ وَیَرۡضَیۡنَ بِمَاۤ ءَاتَیۡتَهُنَّ كُلُّهُنَّۚ﴾ غاية رحيمة كريمة تُبيِّن قَدرَ زوجات النبيِّ
ﷺ عند الله، فكلُّ واحدةٍ منهنَّ دون استِثناء ينبغي أن تكون قريرة العين سعيدة وراضية تمام الرضا.
﴿لَّا یَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَاۤءُ مِنۢ بَعۡدُ وَلَاۤ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنۡ أَزۡوَ ٰجࣲ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ حُسۡنُهُنَّ﴾ هذه الآية حسَمَت مَن يكون لها الحقّ أن تكون أُمًّا للمؤمنين؛ حيث اختارَهنَّ رسولُ الله، وأدناهنَّ، واحتفظ بعلاقَتِه معهنَّ، بعد أن خيرهنَّ فاختَرْنَه واختَرنَ اللهَ والدارَ الآخرة، فهؤلاء هنَّ أمهات المؤمنين؛ لم يزِدنَ بزوجةٍ جديدةٍ، ولم ينقُصن بفَسخٍ أو طلاقٍ.