﴿لَا یَمۡلِكُونَ مِثۡقَالَ ذَرَّةࣲ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَلَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَا لَهُمۡ فِیهِمَا مِن شِرۡكࣲ ﴾ تأكيدٌ لتوحيد الله في المُلك، والذي هو تفريعٌ عن توحيد الله في الخلق، فالذي خلق الأشياء هو الذي يملكها.
﴿وَلَا تَنفَعُ ٱلشَّفَـٰعَةُ عِندَهُۥۤ إِلَّا لِمَنۡ أَذِنَ لَهُۥۚ حَتَّىٰۤ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمۡ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمۡۖ قَالُواْ ٱلۡحَقَّۖ﴾ نفيٌ لدعوى المشركين في تقرُّبهم إلى الله بأصنامهم، وما يرجونه من شفاعتها يوم القيامة، فالشفاعة حقٌّ، لكنَّها لا تكون إلَّا لمن أذِنَ الله له.
ثم يسترسِلُ السياق ليرسُمَ صورةً من صور الشفاعة هناك؛ فالناس بعد توجُّهِهم لطلب الشفاعة يمكثُون ما الله أعلم به في كربٍ وضيقٍ، حتى يكشِف الله ما بهم، ويأذَن بالشفاعة فيُعلِي بها شأنَ الشافع، ويُنفِّس كربَ المشفوع له، فيستبشِرُون جميعًا برحمة الله وعفوِه
﴿حَتَّىٰۤ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمۡ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمۡۖ قَالُواْ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِیُّ ٱلۡكَبِیرُ ﴾.
﴿قُل لَّا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّاۤ أَجۡرَمۡنَا وَلَا نُسۡـَٔلُ عَمَّا تَعۡمَلُونَ ﴾ بمعنى إن كنَّا نحن قد أجرَمنا - كما تزعُمون - فلن تتحمَّلُوا وِزرَنا، وكذلك نحن لا نُحاسَبُ على أعمالكم، فكلُّ عاملٍ مسؤولٌ عن عمله، وفيه دعوةٌ للتفكير بالمصير المحتوم الذي ينتظر الجميع، بعيدًا عن صخَبِ المُجادلة والمُماحكة.
﴿قُلۡ یَجۡمَعُ بَیۡنَنَا رَبُّنَا ﴾ أي: يوم القيامة؛ حيث تجتمع الخلائق كلّها.
﴿ثُمَّ یَفۡتَحُ بَیۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ ﴾ أي: يقضِي بيننا وبينكم بحُكمه الحقّ ـ.
﴿وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُواْ لَن نُّؤۡمِنَ بِهَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَلَا بِٱلَّذِی بَیۡنَ یَدَیۡهِۗ ﴾ أي: لن يؤمنوا بالقرآن، ولا بالتوراة والإنجيل.
﴿إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ مَوۡقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمۡ ﴾ أي: محبوسون ينتظِرون جزاءَهم.
﴿یَرۡجِعُ بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ ٱلۡقَوۡلَ﴾ أي: يتجادَلون ويتلاوَمون.
﴿وَقَالَ ٱلَّذِینَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِینَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ بَلۡ مَكۡرُ ٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ ﴾ وهذا دَيدَنُ المستكبرين وقادة الضلالة في الأرض؛ حيث كانوا يُسخِّرون كلَّ جهدهم ومكرهم لإضلال الناس وصدِّهم عن طريق الحقِّ، كما نراه اليوم من إنفاقٍ لا حدود له، وتبذيرٍ لموارد الأرض من أجل التضليل السياسي والإعلامي، وخداع الجماهير، ودفعها باتجاه الانحراف، وإخضاعها لمشاريع بعيدة عن فطرة الإنسان وتطلُّعاته، وطبيعة تكوينه.
﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا فِی قَرۡیَةࣲ مِّن نَّذِیرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَاۤ إِنَّا بِمَاۤ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَـٰفِرُونَ ﴾ إشارةٌ إلى أنَّ الطبقة المُترَفَة في كلِّ مجتمعٍ هي التي تخشى التغيير حتى لو كان هذا التغيير باتجاه الأفضل.
﴿وَقَالُواْ نَحۡنُ أَكۡثَرُ أَمۡوَ ٰلࣰا وَأَوۡلَـٰدࣰا وَمَا نَحۡنُ بِمُعَذَّبِینَ ﴾ هذا هو ميزانهم، فهم يرَون أنفسهم الأفضل من غيرهم، ولا يرَون النعم التي هم فيها إلَّا أنَّها حقٌّ لهم بحكم تميُّزهم في أصل تكوينهم، وفيما يفاخرون به من أحسابٍ وأنسابٍ، ومِن ثَمَّ فهم يرَون أنه حتى لو كانت هناك آخرة وحساب فلن يكونوا هناك من المُعذَّبين، فهم أعلى وأرقى من أن يُحاسَبوا أو يُعذَّبوا!
وقد ردَّ القرآن تصوُّرهم الخاطئ هذا:
﴿قُلۡ إِنَّ رَبِّی یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ وَیَقۡدِرُ ﴾ لحكمةٍ يعلمها سبحانه، وليس في هذا تفضيلٌ للغني على الفقير، بل الميزان الحقُّ ميزان الإيمان والعمل:
﴿وَمَاۤ أَمۡوَ ٰلُكُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَـٰدُكُم بِٱلَّتِی تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰۤ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَأُوْلَــٰۤىِٕكَ لَهُمۡ جَزَاۤءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمۡ فِی ٱلۡغُرُفَـٰتِ ءَامِنُونَ ﴾.
﴿ثُمَّ یَقُولُ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ أَهَـٰۤـؤُلَاۤءِ إِیَّاكُمۡ كَانُواْ یَعۡبُدُونَ ﴾ والمقصود: إظهار براءة الملائكة من هذا القول، وبيان جهل المشركين وشدّة غفلتهم وضلالهم.
﴿بَلۡ كَانُواْ یَعۡبُدُونَ ٱلۡجِنَّۖ﴾ فقد كان المشركون يخلطون بين الملائكة والجن، فجعلوا الملائكة بنات الله، ثم جعلوا بين الله وبين الجنِّ نسَبًا! ومِن معاني عبادتهم للجنِّ اتباعهم لإبليس وغوايته، واستسلامهم لوساوسه، وهذه صفةٌ عامة في كلِّ المشركين.
﴿ وَمَا بَلَغُواْ مِعۡشَارَ مَاۤ ءَاتَیۡنَـٰهُمۡ﴾ بمعنى أنّ مشركي مكة لم يبلغوا من القوَّة عُشرَ الأقوام السابقين الذين أخذهم الله بعد تكذيبهم للرسل، والمقصود بهذا الإخبار التهديد.
﴿۞ قُلۡ إِنَّمَاۤ أَعِظُكُم بِوَ ٰحِدَةٍۖ﴾ أي: بنصيحةٍ واحدةٍ.
﴿مَثۡنَىٰ ﴾ اثنَين اثنَين، يتحاوران ويفكِّران معًا.
﴿وَفُرَ ٰدَىٰ﴾ كلّ فردٍ يُفكَّرُ مع نفسه.
﴿مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍۚ ﴾ أي: من جنونٍ، وكانت العرب تنسب الجنون إلى مسِّ الجنِّ، والله أعلم.
﴿قُلۡ مَا سَأَلۡتُكُم مِّنۡ أَجۡرࣲ فَهُوَ لَكُمۡۖ﴾ النبيُّ
ﷺ لم يسألهم أجرًا أصلًا، وإنّما المقصود التهكُّم، كأنّه يقول لهم: ما أخذته منكم مِن أجرٍ ونحوه فخذوه.
﴿قُلۡ جَاۤءَ ٱلۡحَقُّ وَمَا یُبۡدِئُ ٱلۡبَـٰطِلُ وَمَا یُعِیدُ ﴾ بمعنى أنّ الباطل لا يفعل شيئًا إذا جاءه الحقّ، فلا يُقدِّم ولا يُؤخِّر، ولا يُنشئُ شيئًا ولا يُعيد، وهذه أمارةُ اضمِحلالِه وزوالِه.
﴿وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذۡ فَزِعُواْ ﴾ عند البعث.
﴿فَلَا فَوۡتَ﴾ فلا مهرب.
﴿ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانࣲ قَرِیبࣲ ﴾ أُخِذُوا من المكان الذي هم فيه، وهو أرض المحشر.
﴿وَقَالُوۤاْ ءَامَنَّا بِهِۦ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ﴾ أي: كيف لهم أن ينالوا مُبتغاهم وقد غدَا بعيدًا عنهم، فالآخرة ليست دار استدراك وتوبة، فقد أعطاهم الله في الدنيا من الأعمار ما يُمكنهم فيه التراجع والاستغفار، وكان ذلك قريبًا منهم وبين أيديهم.
﴿وَیَقۡذِفُونَ بِٱلۡغَیۡبِ مِن مَّكَانِۭ بَعِیدࣲ ﴾ أي: كانوا يتكلَّمُون بالغيب كلامًا باطلًا، كمن يرمي هدفًا بعيدًا عنه؛ بحيث إنّه لا يراه، ولا يعلم مكانَه.
﴿وَحِیلَ بَیۡنَهُمۡ وَبَیۡنَ مَا یَشۡتَهُونَ﴾ حيث هم الآن يتمنَّون الرجوع إلى الدنيا لكي يؤمنوا ويتوبوا، ولكن الله جعل بينهم وبين ما يتمنَّون حائلًا.
﴿كَمَا فُعِلَ بِأَشۡیَاعِهِم مِّن قَبۡلُۚ﴾ بأشباههم من الأُمم السابقة، فلم يرجِع منهم أحدٌ إلى الدنيا، وهذه سُنَّة ثابتة من سُنن الله في هذا الخلق.