يمدح [اللَّه] تعالى نفسه الكريمة المقدَّسةَ على خلقهِ السماواتِ والأرضَ وما اشتَمَلَتا عليه من المخلوقات؛ لأنَّ ذلك دليلٌ على كمال قدرتِهِ وسَعة ملكِهِ وعموم رحمتِهِ وبديع حكمته وإحاطةِ علمه. ولمَّا ذَكَرَ الخلقَ؛ ذَكَرَ بعده ما يتضمَّنُ الأمر، وهو أنه جعل {الملائكةَ رسلاً}: في تدبيرِ أوامرِهِ القدريَّة ووسائطَ بينَه وبين خلقِهِ في تبليغ أوامره الدينيَّة. وفي ذِكْرِهِ أنَّه جعل الملائكة رسلاً ولم يستثنِ منهم أحداً دليلٌ على كمال طاعتهم لربِّهم وانقيادِهِم لأمرِهِ؛ كما قال تعالى: {لا يعصونَ الله ما أمَرَهم ويفعلون ما يُؤمرون}. ولما كانت الملائكةُ مدبِّراتٍ بإذن الله ما جَعَلَهم الله موكَّلين فيه؛ ذَكَرَ قُوَّتَهم على ذلك وسرعة سيرِهِم؛ بأن جَعَلَهم {أولي أجنحةٍ}: تطير بها فتسرعُ بتنفيذ ما أمرت به، {مثنى وثلاث ورباع}؛ أي: منهم من له جناحان وثلاثة وأربعة بحسب ما اقتضتْه حكمتُه. {يزيدُ في الخَلْقِ ما يشاءُ}؛ أي: يزيد بعضَ مخلوقاتِهِ على بعض في صفة خلقِها وفي القوَّة وفي الحسن وفي زيادة الأعضاء المعهودةِ وفي حسن الأصوات ولذَّةِ النغماتِ. {إنَّ الله على كلِّ شيءٍ قديرٌ}: فقدرتُه تعالى تأتي على ما يشاؤه، ولا يستعصي عليها شيءٌ، ومن ذلك زيادة مخلوقاتِهِ بعضها على بعض.