يذكر تعالى خلقَه الآدميَّ وتنقُّله في هذه الأطوار من ترابٍ إلى نطفةٍ وما بعدها، {ثم جَعَلَكم أزواجاً}؛ أي: لم يزل ينقُلُكم طوراً بعد طورٍ حتى أوصلكم إلى أنْ كنتُم أزواجاً؛ ذكر يتزوجُ أنثى، ويُرادُ بالزواج الذُّرِّية والأولاد؛ فهو وإنْ كان النكاحُ من الأسبابِ فيه؛ فإنَّه مقترنٌ بقضاء الله وقدره وعلمه. {وما تَحْمِلُ مِن أنثى ولا تضعُ إلاَّ بعلمِهِ}: وكذلك أطوارُ الآدميِّ كلُّها بعلمه وقضائه {وما يُعَمَّرُ من مُعَمَّرٍ ولا يُنقَصُ من عُمُرِهِ}؛ أي: عمر الذي كان معمَّراً عمراً طويلاً، {إلاَّ}: بعلمه تعالى، أو: وما ينقص من عمر الإنسان الذي هو بصدد أن يَصِلَ إليه لولا ما سلكه من أسباب قِصَرِ العمر؛ كالزِّنا وعقوق الوالدين وقطيعة الأرحام ونحو ذلك مما ذُكِرَ أنَّها من أسباب قصر العمر، والمعنى أنَّ طولَ العمر وقِصَرَه بسببٍ وبغير سببٍ كله بعلمه تعالى، وقد أثبت ذلك {في كتابٍ}: حوى ما يجري على العبد في جميع أوقاته وأيام حياته. {إنَّ ذلك على الله يسيرٌ}؛ أي: إحاطة علمه بتلك المعلومات الكثيرة، وإحاطةُ كتابه بها. فهذه ثلاثةُ أدلَّة من أدلَّة البعث والنشور، كلُّها عقليَّة، نبَّه الله عليها في هذه الآيات: إحياء الأرض بعد موتها، وأنَّ الذي أحياها سيُحيي الموتى. وتَنَقُّل الآدمي في تلك الأطوار، فالذي أوجَدَه ونَقَّلَه طبقاً بعد طبق وحالاً بعد حال حتى بلغ ما قُدِّرَ له؛ فهو على إعادتِهِ وإنشائِهِ النشأةَ الأخرى أقدرُ، وهو أهونُ عليه. وإحاطة علمه بجميع أجزاء العالم العلويِّ والسفليِّ دقيقها وجليلها، الذي في القلوب، والأجنَّة التي في البطون، وزيادة الأعمار ونقصها، وإثباتُ ذلك كلِّه في كتاب؛ فالذي كان هذا يسيراً عليه؛ فإعادتُه للأموات أيسرُ وأيسرُ. فتبارك من كَثُرَ خيرُه، ونبَّه عبادَه على ما فيه صلاحُهم في معاشهم ومعادهم.