هذا إخبارٌ عن قدرتِهِ وحكمتِهِ ورحمتِهِ، أنَّه جعل البحرينِ لمصالح العالم الأرضيِّ كلِّهم، وأنَّه لم يسوِّ بينهما؛ لأنَّ المصلحة تقتضي أن تكون الأنهارُ عذبةً فراتاً سائغاً شرابها؛ لينتفعَ بها الشاربون والغارسون والزارعون، وأن يكونَ البحرُ ملحاً أجاجاً؛ لئلاَّ يَفْسُدَ الهواءُ المحيطُ بالأرض بروائح ما يموتُ في البحر من الحيوانات، ولأنَّه ساكنٌ لا يجري؛ فملوحتُه تمنعُه من التغيُّر، ولتكون حيواناتُه أحسنَ وألذَّ، ولهذا قال: {ومن كلٍّ}: من البحر الملح والعذب {تأكلونَ لحماً طريًّا}: وهو السمك المتيسِّرُ صيدُه في البحر، {وتستخرِجون حِلْيَةً تَلْبَسونَها}: من لؤلؤ ومرجانٍ وغيره مما يوجدُ في البحر، فهذه مصالحُ عظيمةٌ للعباد. ومن المصالح أيضاً والمنافع في البحر أن سَخَّرَه الله تعالى يحملُ الفلكَ من السفن والمراكب، فتراها تمخُرُ البحر وتشقُّه، فتسلكُ من إقليم إلى إقليم آخر ومن محلٍّ إلى محلٍّ، فتحمل السائرين وأثقالَهم وتجاراتِهِم، فيحصُلُ بذلك من فضل الله وإحسانه شيءٌ كثير، ولهذا قال: {ولِتَبْتَغوا من فضلِهِ ولعلَّكم تشكُرون}.